logo
الرئيسية/مقاطع/أحكام الضيافة

أحكام الضيافة

مشاهدة من الموقع

ثم انتقل المؤلف رحمه الله [1] للكلام عن أحكام الضيافة، قال:

وتجب ضيافة المسلم على المسلم في القرى دون الأمصار يومًا وليلةً.

الضيافة معناها: أن يستضيف ويتلقى الإنسان مَن قدم إليه، فيكرمه وينزله بيته ويقدم له الطعام ونحو ذلك، وهي من محاسن الشريعة الإسلامية، وقد كانت موجودةً لدى بعض الأمم السابقة، وذكر الله تعالى هذا عن إبراهيم ، أنه لما أتاه الملائكة على هيئة بشرٍ أنه استضافهم، وأتى بعجلٍ سمينٍ، وقرَّبه إليهم، وقال: أَلَا تَأْكُلُونَ [الذاريات:27].

والناس قديمًا كانوا يحتاجون للضيافة أكثر من حاجتهم إليها في الوقت الحاضر؛ لأنه قديمًا لم يكن يوجد هذه الفنادق والشقق ونحو ذلك، فالمسافر إذا سافر؛ ينزل ضيفًا على أحد الناس، فيأوي إليه ويبيت عنده، ويأكل عنده، وكان الناس محتاجين إلى الضيافة في تلك الأزمنة، أما في الوقت الحاضر فقلَّت الحاجة للضيافة.

اختلف الفقهاء في حكم الضيافة على قولين:

  • القول الأول: أنها مستحبةٌ، وهذا قول الجماهير من الحنفية [2]، والمالكية [3]، والشافعية [4].
  • والقول الثاني: أنها واجبةٌ، وهو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات [5].

الجمهور استدلوا بعموم النصوص الدالة على حرمة مال المسلم، حديث: لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ إلا بطيب نفسٍ منه [6].

والحنابلة استدلوا على وجوب الضيافة بقول النبي : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه جائزته، يومًا وليلةً، والضيافة ثلاثة أيامٍ، وما بعد ذلك فهو صدقةٌ، ولا يحل له أن يَثْوِي عنده حتى يحرجه [7]، متفقٌ عليه.

قوله : فليكرم ضيفه، هذا أمرٌ، والأصل في الأمر أنه يقتضي الوجوب.

وجاء في الحديث الآخر: ليلة الضيف واجبةٌ على كل مسلمٍ [8]، وقوله: واجبةٌ، هذا يدل على تأكدها.

فالقول الراجح: هو وجوب الضيافة، أما ما استدل به الجمهور من حديث: لا يحل مال امرئٍ مسلمٍ، فهذا عامٌّ، وما جاء في الضيافة من أحاديث تدل على الوجوب؛ فهو خاصٌّ.

ما ضابط إكرام الضيف؟

المرجع في ذلك للعرف، وهذا مما يختلف باختلاف الضيف واختلاف المضيف، ويعني: إذا كان المضيف غنيًّا؛ فيكون الإكرام بما وسع الله عليه، وإذا كان فقيرًا فبما يتيسر، وأيضًا الضيوف ليسوا سواءً؛ فقد يكون الضيف له وجاهةٌ عند الناس، فيكرمه بما يليق به، قد يكون الضيف ليس بينه وبين هذا الإنسان علاقةٌ، فيكرمه بما يناسبه، قد يكون الضيف من أوساط الناس، فيكرمه بما يناسبه.

وقول المصنف رحمه الله: "وتجب ضيافة المسلم"، أشار به إلى شروط وجوب الضيافة:

  • الشرط الأول: أن يكون الضيف مسلمًا، فلا تجب ضيافة غير المسلم؛ لقول النبي : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، لكن هذا الحديث عامٌّ؛ ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الضيف يعم المسلم وغير المسلم؛ لعموم الأحاديث، وهذا هو الأقرب والله أعلم: أن الضيافة تعم المسلم وغير المسلم، بشرط أن يكون غير المسلم معصوم الدم.
  • الشرط الثاني: أشار إليه المصنف بقوله: "في القرى دون الأمصار"، "القرى" يعني: البلاد الصغيرة، "دون الأمصار": المدن الكبيرة؛ قالوا: لأن القرى مَظِنَّة الحاجة، أما الأمصار فبلادٌ كبيرةٌ، فيها أسواق وفنادق وأشياء يُستغنى بها.

والقول الثاني: أن الضيافة كما تجب في القرى؛ تجب في الأمصار، وهذا هو القول الراجح؛ لعموم الأدلة.

وقول المصنف: "يومًا وليلةً"؛ لتقييد ذلك في بعض الأحاديث؛ كما في قوله عليه الصلاة والسلام: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه جائزته، يومًا وليلةً [9]، والضيافة إذنْ تجب يومًا وليلةً، وتستحب ثلاثة أيامٍ، وما زاد على ذلك فهو صدقة من الصدقات.

ولهذا قال المصنف رحمه الله:

وتستحب ثلاثًا.

يعني: تستحب الضيافة ثلاثة أيامٍ؛ لقول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: والضيافة ثلاثة أيامٍ، وما زاد على ذلك فهو صدقةٌ، لكن لا بد أن نعرف من هو الضيف؟

الضيف: الذي يَقْدَم من خارج البلد، أما الذي يكون داخل البلد، فهذا زائرٌ، وليس ضيفًا، أتاك شخصٌ من داخل البلد، هذا نقول: إنه زائرٌ، لا يعتبر ضيفًا، ولا تعمه أحكام الضيافة، هذا زائرٌ، لكن الذي يَقْدَم من خارج البلد وينزل عندك في البيت، هذا هو الضيف، تجب ضيافته يومًا وليلةً، وتستحب ثلاثة أيامٍ، وما زاد على ذلك فهو صدقةٌ.

^1 دليل الطالب لنيل المطالب لمرعي الكرمي: ص 327.
^2 ينظر المعتصر من المختصر من مشكل الآثار للملطي: 2/ 316.
^3 ينظر التمهيد لابن عبد البر: 13/ 174.
^4 ينظر المجموع للنووي: 9/ 58.
^5 ينظر المغني لابن قدامة: 13/ 352- 353.
^6 رواه أحمد: 20695.
^7 رواه البخاري: 6135، ومسلم: 48.
^8 رواه أبو داود: 3750، وابن ماجه: 3677، وأحمد: 17172.
^9 سبق تخريجه.
zh