logo
الرئيسية/مقاطع/الجمع بين دنو الشمس يوم القيامة وقوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}

الجمع بين دنو الشمس يوم القيامة وقوله تعالى: {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ}

مشاهدة من الموقع

هذا وصفٌ لبعض ما يكون من أهوال ذلك اليوم، وهو أن الشمس تُدنَى من الخلائق يوم القيامة حتى تكون على قدر ميلٍ، وهل الميل المقصود به: ميل المُكْحُلة الذي تُكحَّل به العين، أو ميل الأرض؟ الظاهر: أنه ميل الأرض، لكن ميل الأرض أيضًا قريبٌ، ما يعادل تقريبًا كيلو وستمئةٍ وسبعين مترًا، قريبٌ جدًّا، ولكن هذا يُشكِل على ما ورد في النصوص من أن الشمس تُكوَّر يوم القيامة: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1]، فكيف نجمع بين هذا الحديث: تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميلٍ [1]، وبين قول الله تعالى: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، وما جاء في معنى الآية من أن الشمس يوم القيامة تُكوَّر: وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ [القيامة:9]، تُجمَع مع القمر أيضًا وتنكدر وتكور؟

اختلف العلماء في الجمع:

فمن أهل العلم مَن قال: إن هذا الحديث حديثٌ شاذٌّ؛ لأن النصوص بخلافه، أن الشمس تُكور: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ [التكوير:1]، ولكن هذا محل نظرٍ؛ لأن هذا الحديث حديثٌ صحيحٌ، أخرجه الإمام مسلمٌ في "صحيحه"؛ و"صحيح البخاري" و"صحيح مسلمٍ" تلقتهما الأمة بالقبول، وإذا لم يعرف الإنسان الجمع بين النصوص؛ فينبغي ألا يجزم بالشذوذ.

وقال بعض العلماء: إن المقصود: أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة حتى تكون على قدر ميلٍ؛ كما في هذا الحديث، ثم بعد ذلك تُكوَّر، فيكون التكوير بعد دُنُوِّها من الخلائق [2]، ولكن أيضًا هذا بعيدٌ عن سياق النصوص؛ فإن الله عز وجل ذكر أحداث يوم القيامة: إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ۝ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ۝ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيِّرَتْ ۝ وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ [التكوير:1-4]، هذا كله يكون بعد قيام الساعة، بعد النفخ في الصور، نفخة البعث أو نفخة الصعق، ظاهر النصوص أن هذا يكون أيضًا عند نفخة الصعق قبل نفخة البعث في آخر الدنيا؛ الشمس والقمر يجريان لأجلٍ مسمًّى، هذا الأجل المسمى: هو قيام الساعة.

والأقرب -والله أعلم- أن يقال: إن الشمس تكور عند قيام الساعة، لكن يبقى شيءٌ من نورها وحرها، فتدنو من الخلائق بعد التكوير، ويدل لذلك: أنها تُدنَى من الناس حتى تكون على قدر ميلٍ، ولو كانت على حالها قبل التكوير؛ لَمَا تحمل البشر حرارتها، إذا كنا الآن في الأرض الشمس تبعد عن الأرض (150 مليون كيلومترٍ)؛ ومع ذلك نرى شدة حرارتها، خاصةً في الصيف، كيف بالشمس التي تكون على قدر ميلٍ من الخلائق؟!

فالظاهر -والله أعلم- أنها تكور عند قيام الساعة، ثم تُدنَى من الخلائق بعد التكوير، ومع ذلك ينالهم حَرُّها؛ لأن حر الشمس شديدٌ، ويصيبهم من الغم والكرب شيءٌ عظيمٌ، ويجري منهم العرق، وهذا العرق يتفاوت فيه الناس بحسب ذنوبهم؛ فمنهم من يصل العرق إلى أنصاف أذنيه، ومنهم من يُلجمه إلجامًا، ومنهم من يَبلغ إلى حَقْويه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يبلغ إلى قدميه، ومنهم من لا يبلغ منه العرق شيئًا، وهم الأنبياء والرسل، وكذلك الصِّدِّيقون والشهداء، فيكون العرق بقدر ذنوب الناس.

^1 رواه مسلم: 2864.
^2 ينظر البحر المديد لابن عجيبة: 7/ 248.
zh