قال: يُحشر الناس على ثلاث طرائق[1]؛ المراد بهذا الحشر: الحشر في آخر الدنيا؛ لأننا ذكرنا أن الحشر على أربعة أنواعٍ: حشران في الدنيا، وحشران في الآخرة[2]:
- الحشر الأول: الذي ذُكر في سورة "الحشر": هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ [الحشر:2].
- الحشر الثاني: هو الذي يكون في آخر الدنيا، حيث تخرج نارٌ من قعر عَدَن تسوق الناس إلى أرض المحشر في الشام، وهذه النار تبيت معهم حيث باتوا، وتَقيل معهم حيث قالوا؛ يعني: تسوقهم سوقًا إلى أرض المحشر.
قال: ويحشر الناس على ثلاث طرائق: راغبين؛ يعني: فيما عند الله من الرحمة والثواب راهبين؛ يعني: خائفين واثنان على بعيرٍ، وثلاثةٌ على بعيرٍ، وأربعةٌ على بعيرٍ، وعشرةٌ على بعيرٍ؛ أي: أنهم يركبون هذه الدواب لكي تنقلهم إلى أرض المحشر، وهذا في آخر الدنيا قبل قيام الساعة.
وقوله: اثنان على بعيرٍ؛ يدل على أن أول مَن خرج استطاعوا أن يجدوا من المراكب أفضل ممن أتى بعدهم، ربما أيضًا واحدٌ على بعير، لكن لم يُذكَر في الحديث، فاثنان على بعيرٍ أفضلُ من ثلاثة على بعير، وأفضل من أربعة على بعير، وأفضل من عشرة.
وهذا يدل على أن الذين تأخَّروا يجتمع عشرة على بعير، وهذه أحوالٌ الله أعلم كيف تكون وكيف تقع؟
وفي قوله: على بعيرٍ إشارةٌ إلى أن الناس سيعودون في آخر الدنيا لركوب الدواب؛ لأنه لم يذكر وسائل أخرى، إنما قال: على بعيرٍ؛ معنى ذلك أن الأحوال ستتغير، وسيعود الناس إلى ركوب الدواب، ركوب الإبل.
وهذا يدل على التغير الكبير الذي سيكون في الدنيا -والله تعالى أعلم وأحكم-، وإن كان بعض العلماء يقول: إن هذا من باب التقريب، وإن المقصود: دابةٌ من الدواب، لكن النبي يخاطب الناس في زمن التنزيل بقدر ما يفهمون وما يعرفون، ويحتمل أن يكون بدل البعير مثلًا آلةٌ، مركوبٌ من المركوبات الحديثة؛ كسيارة مثلًا؛ بدليل أنه قال: عشرةٌ على بعيرٍ، والعشرة لا يركبون بعيرًا. والله تعالى أعلم، هذا محتملٌ.
والأول أيضًا هو ظاهر الحديث، الأول: وهو أن أحوال الناس ستتغير ويعود الناس للإبل، هذا هو ظاهر الحديث. لكن ما قاله بعض أهل العلم محتملٌ؛ أن النبي خاطب الناس بما يفهمون؛ لأنه لو قال لهم: "على سيارةٍ" كيف؟! الناس ما تفهم "السيارة" في ذلك الوقت، فالله تعالى أعلم وأحكم.
المهم أن الناس ستحشرهم هذه النار إلى أرض المحشر في آخر الدنيا.