يصف النبيُّ عذاب نار جهنم بأنها قد ضُعِّفَتْ على نار الدنيا تسعًا وستين مرةً في الحرارة، أرأيتَ مستوى حرارة الدنيا؟ حرارة نار جهنم ضُعِّفَتْ عليها تسعًا وستين مرةً؛ يعني -مثلًا- لو قيل: إن حرارة الدنيا تصل إلى ألف درجةٍ؛ فحرارة جهنم تسعةٌ وستون ألفًا. سبحان الله!
قيل: يا رسول الله، إنها وحدها لكافية. قال: إنها فُضِّلَتْ عليها بتسعةٍ وستين جزءًا؛ فنار الدنيا جزءٌ من سبعين جزءًا من نار جهنم.
وهذا يدل على عظيم حَرِّ نار جهنم؛ ولذلك تنضج جلودهم؛ وكلما نَضِجَتْ بُدِّلوا جلودًا غيرها ليذوقوا العذاب ويعطشون، وإذا عطشوا سُقُوا ماءً حميمًا فَقَطَّع أمعاءهم، وفيها من العذاب والنَّكال شيءٌ عظيمٌ لا يخطر على عقل بشرٍ، هو فوق الخيال.
ولذلك؛ فعذاب النار جَعَل الصالحين مُشفقين دومًا وخائفين من هذه النار، وأثنى الله تعالى عليهم بذلك، وأنهم يقولون: رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ [آل عمران:192] رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:65-66].
اجعل هذا الدعاء نُصْبَ عينيك، كلَّ يومٍ ادْعُ اللهَ به، كل يومٍ قُلْ: "رَبِّ اصرف عني عذاب جهنم، إن عذابها كان غرامًا، إنها ساءت مُستقرًّا ومُقامًا. رَبِّ إنك مَن تُدخل النار فقد أخزيته، وما للظالمين من أنصارٍ".
فإن الله أثنى على المؤمنين الذين يدعون بذلك: وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رِبِّهِمْ مُشْفِقُونَ [المعارج:27]، قالوا: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:27-28].
فينبغي أن يكون ذِكْر الجنة والنار حاضرًا لدى المسلم، وألا يغفل ويَذْهَل عنه، وأن يدعو الله تعالى كل يومٍ، ويسأل الله تعالى أن يُدخله الجنة، وأن يُعيذه من النار؛ لأن هذه هي نهاية مطاف البشرية، ومَن زُحزح عن النار وأُدخل الجنة فقد فاز. هذا هو التعريف النهائي للسعادة: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ [هود:108]. هذا تعريف السعادة: أن تُزحزح عن النار وتدخل الجنة.
ولهذا؛ جاء عند الترمذي وغيره بسندٍ صحيحٍ عن النبي أنه قال: إذا سأل العبد ربه الجنة ثلاث مراتٍ قالت الجنة: اللهم أدخله الجنة، وإذا استعاذ من النار ثلاث مراتٍ قالت النار: اللهم أَعِذْه من النار[2].
فاجعل هذا الدعاء -سؤال الله الجنة، والاستعاذة بالله من النار- اجعله حاضرًا في أدعيتك، كل دعوةٍ تدعو الله تعالى بها اسأَلِ اللهَ الجنةَ واستعذ بالله من النار، وفي صلاتك في التَّشهد الأخير: اسأل الله الجنة، واستعذ بالله من النار، ثلاث مراتٍ في كل صلاةٍ تُصليها، فريضةً كانت أو نافلةً؛ لأن هذه الدعوة أعظم الأدعية. هذه إذا استُجِيبتْ لك سعدتَ السعادة الأبدية؛ لأن الجنة والنار هما نهاية مطاف البشرية.
فاجعل -إذن- ذِكْر الجنة وذِكْر النار حاضرًا، لا تغفل عنه: فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:27-28].