logo
الرئيسية/مقاطع/معنى حديث: "وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء.."

معنى حديث: "وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء.."

مشاهدة من الموقع

قال: وأنزلت عليك كتابًا[1]؛ يعني: القرآن لا يغسله الماء؛ ومعنى لا يغسله الماء: أي أن هذا القرآن لا يمكن أن يُنسَى، ولا يمكن أن يذهب.

قال النووي -رحمه الله-: معنى قوله: لا يغسله الماء: أنه محفوظٌ في الصدور، ولا يتطرق إليه الذهاب، بل يبقى على مر الأزمان.

فمعنى لا يغسله الماء: يعني أنه محفوظٌ بحفظ الله ، حتى لو قُدِّر أن المصاحف غُسلت بالماء كلها، ما بقي أثرٌ للمصاحف؛ فهو محفوظٌ في الصدور. فهذا القرآن محفوظٌ بحفظ الله ؛ تكفَّل الله ​​​​​​​​​​​​​​ بحفظه: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، عندما يقول رب العالمين: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ انتهى الأمر، وانتهى الموضوع، لا يمكن أن يدخل القرآنَ التحريفُ، مستحيلٌ، لا يمكن.

وهذا هو الواقع، نحن الآن في القرن الخامس عشر الهجري، هل تغيَّر حرفٌ واحدٌ في القرآن؟ حرفٌ؟ سبحان الله! مع أن الأمة الإسلامية اعتراها ما اعتراها من أحداثٍ عظيمةٍ؛ غزاها الصليبيون، وغزاها التتر، وحصل لها ما حصل في القرن الرابع الهجري: العبيديون استولوا على معظم أنحاء العالم الإسلامي، وانتشر التشيع حتى أصبح يُنادَى بـ"حي على خير العمل" في الحرمين! ومع ذلك بقي القرآن محفوظًا بحفظ الله ، نقرؤه غضًّا طريًّا كما نزل، كما يقرؤه رسول الله  وصحابته.

سبحان الله! انظر إلى هذا الحفظ العجيب! بينما الكتب الأخرى مثل: التوراة والإنجيل لم يتكفل الله بحفظها، قال: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ [المائدة:44]، فأوكل حفظها للبشر فلم يحفظوها ودخلها التحريف.

وسيبقى هذا القرآن محفوظًا؛ ولهذا فأي محاولاتٍ في تحريف القرآن مقطوعٌ بفشلها، لا يمكن، هذا القرآن تكفل الله بحفظه: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ  [الحجر:9].

وكذلك أيضًا السُّنة تَدخُل في الذِّكر، السُّنة أيضًا محفوظةٌ بحفظ الله ، فلا يمكن أن تضيع السنة أو يضيع شيءٌ من أحاديث النبي -عليه الصلاة والسلام-، كلها محفوظةٌ بحفظ الله .

وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة: أن الله تكفل بحفظ الذكر، ولم يُوكِل حفظه للبشر؛ ولهذا قال: وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء؛ يعني: أنه محفوظٌ، ويبقى بحفظ الله تعالى إلى قيام الساعة.

تقرؤه نائمًا ويقظان، وهذا فيه إشارةٌ إلى تيسير القرآن: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]؛ أي: أنه يصير القرآن لك مَلَكَةً بحيث يحضر في ذهنك فلا تغفل عنه نائمًا ولا يقظان. والعرب تقول للماهر بالشيء القادر عليه: يفعله نائمًا، فلانٌ يفعل هذا الشيء وهو نائمٌ؛ إشارةً إلى أنه ماهرٌ وحاذقٌ به.

فيكون معنى قوله: تقرؤه نائمًا ويقظان؛ أي: أنه يُيسَّر لك ولأمتك. وهذا فيه إشارة لتيسير القرآن وتسهيله عليه وعلى أمته: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]. وهذا نجده في الواقع، تجد الرجل الأعجمي يقرأ القرآن كما يقرؤه العربي.

وأذكر مرةً أنني في إحدى الدول ذهبت إلى مقرأةٍ، ذهبت إلى مكانٍ يجتمع فيه عددٌ ممن يحفظ القرآن، مدرسة تحفيظ القرآن، وكل من فيها من العجم، فدخلت عليهم فإذا بهم لا يعرفون كلمةً عربيةً واحدةً، وإذا بهم يقرؤون القرآن كما يقرؤه العرب قراءةً فصيحةً لا ترى فيها أثر عُجْمة، يقرأ القرآن كما يقرؤه العربي تمامًا، مُتقَنًا بالتجويد كما يقرؤه العربي، وعندما أكلمه كلامًا عربيًّا لا يفهم ولا كلمةً.

هذا من العجائب! هذا من العجائب! هذا من تيسير الله للقرآن: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]. فهذا معنى قوله: تقرؤه نائمًا ويقظان؛ أي: أنه ييسر لك ولأمتك.

^1 رواه مسلم: 2865.
zh