logo
الرئيسية/مقاطع/شرح حديث: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا"

شرح حديث: "يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غرلًا"

مشاهدة من الموقع

فقوله -عليه الصلاة والسلام- في هذا الحديث: يُحشر الناس يوم القيامة[1]؛ المراد به: الحشر الأول مِن حَشْرَيِ الآخرة بعدما يُبعَث الناس من قبورهم؛ فإن الناس في هذه الدنيا يموتون ويفنى بدن الإنسان، يأكله الدود ويصبح ترابًا ولا يبقى منه إلا عُجْب الذَّنَب.

وعجب الذنب هو الذي يسمى: العُصْعُص، آخر العمود الفقري، وهو صغيرٌ جدًّا، لا يُرى حتى بالعين المجردة، ومنه يُركَّب الخلق يوم القيامة.

ويُستثنى من ذلك: الأنبياء، ومَن شاء الله من الصِّدِّيقين والشهداء والصالحين؛ فلا تأكل الأرض أجسادهم، لكن أكثر الناس تأكل الأرض أجسادهم.

ثم بعد ذلك تكون نفخة الصعق في آخر الدنيا: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ [الزمر:68].

ثم تكون نفخة البعث، وبين نفخة الصعق والبعث أربعون، ولا ندري عن هذه الأربعين، أربعون وحدةً زمنيةً، الله أعلم بمقدارها.

وقبل نفخة البعث تُجمع الأرواح في الصُّور، وقبل ذلك يُنزِل الله تعالى من السماء ماءً كمنيِّ الرجال على الأرض، فتَنبت الأجساد من عُجْب الذَّنَب، تَنبت -سبحان الله!- حتى إذا تكامل نموُّها وتكاملت هذه الأجساد؛ أمر الله  إسرافيل بالنفخ في الصور، فتتطاير الأرواح من الصُّور، وكل روحٍ تذهب لجسدها بقدرة العزيز الحكيم. انظر إلى هذه القدرة العظيمة من الرب سبحانه! فيقوم الناس من قبورهم حفاةً عراةً كما ولدتهم أمهاتهم.

"حُفَاةً" يعني: غير مُنتعِلين، "عُراةً": ليس عليهم لِبَاسٌ. "غُرْلًا" يعني: غير مختونين؛ لأن الله يبعثهم كما خلقهم أول مرةٍ: حفاةً عراةً غُرْلًا.

قالت عائشة: قلت: يا رسول الله، النساء والرجال ينظر بعضهم إلى بعض؟! قال : يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعضٍ[2]؛ أي: أن شدة هول ذلك اليوم تجعل الإنسان لا يشعر بانكشاف عورته ولا عورة غيره، بل هو مشغولٌ بنفسه ومهتمٌّ بها: أينجو من النار أم لا؟

فلا ينشغل الإنسان أصلًا بأن ينظر لعورة الآخرين، أو أن هذه الأمور تعني له شيئًا؛ الأمر أشد: يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج:2]؛ يعني: إلى هذه الحال الشديدة! فكيف سينظر بعضهم إلى بعض؟! الأمر أشد من أن يهمهم ذلك، أو أن ينظر بعضهم إلى بعضٍ، فالموقف شديدٌ.

فبيَّن -عليه الصلاة والسلام- أن الناس يُبعَثون من قبورهم على هذه الحال وهذه الهيئة: حفاةً عراةً كما ولدتهم أمهاتهم، غُرْلًا أي: غير مختونين.

^1 رواه مسلم: 2859.
^2 رواه البخاري: 6527، ومسلم: 2859.
zh