(2871) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارِ بْنِ عُثْمَانَ الْعَبْدِيُّ، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة عن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة، عَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، عَنِ النَّبِيِّ في قوله : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27]، قال: نزلت في عذاب القبر، فيقال له: مَن ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد ؛ فذلك قوله : يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27].
الثبات: الذي في الآخرة عند سؤال الملكين في القبر. وأما الثبات الذي في الدنيا فهو على ظاهره، فالله تعالى يثبت المؤمنين في الدنيا، وفي الآخرة.
المقصود بالثبات في الآخرة فسره النبي بعذاب القبر، يعني: عند سؤال الملكين[1]؛ لأن هذا اختبار عظيم للإنسان: يأتيه الملكان ويسألانه هذه الأسئلة، فيُثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، ويوفق الله المؤمنين للجواب الصحيح؛ فالمؤمن يقول: ربي الله، ونبيي محمد، وديني الإسلام.
هذا معنى الثبات في الآخرة، وإلا فالآخرة هي ليست بدار تكليف، لكن هذا إنما يكون عند سؤال الملكين.
إذن؛ هذا هو تفسير الآية في تثبيت الله للمؤمنين في الآخرة. وأما تثبيت الله للمؤمنين في الدنيا فهذا على ظاهره: أن الله يثبت المؤمن على إيمانه، ويُبعد عنه مُضِلات الفتن، ويثبت قلبه على دينه، ويُصرِّف قلبه على طاعته.
ولهذا؛ مِن أعظم الأدعية التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم: أن يسأل الله أن يثبته بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، فيقول: "اللهم ثبِّتني بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة"، وكذلك أيضًا يضيف لهذا الدعاء: "اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. يا مصرف القلوب صرف قلبي على طاعتك. رب لا تُزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة؛ إنك أنت الوهاب".
والمسلم إذا حافظ على هذه الأدعية كل يوم؛ فإن الله أكرم من ألا يستجيب له، والعبد إذا ألح على الله في الدعاء فإن الله تعالى يجيب دعاءه، ويثبته بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة.
فسؤال الله الثبات هذا دعاء عظيم يغفل عنه كثير من الناس، وهذا نوع من التفسير، وهو من أعلى أنواع التفسير: أن يكون التفسير من النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ فالتفسير أعظم ما يكون تفسير النصوص بالنصوص، وأعلاه تفسير القرآن بالقرآن؛ يعني تفسير القرآن بالقرآن مثل قول الله : فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا [النساء:15].
ثم فسر النبي -عليه الصلاة والسلام- السبيل بما جاء في سورة (النور): الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ إلخ [النور:2]، فتفسير القرآن بالقرآن هذا من أعلى أنواع التفسير، ثم تفسير القرآن بالسنة. ومثاله هذا الحديث: النبي -عليه الصلاة والسلام- فسَّر قوله: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ [إبراهيم:27] بعذاب القبر؛ يعني: التثبيت الذي في الآخرة عند سؤال الملكين. فهذا نوع من التفسير، من تفسير القرآن بالسنة.
^1 | رواه البخاري: 4699، ومسلم: 2871. |
---|