logo
الرئيسية/مقاطع/قبح الكذب حتى عند الحيوان

قبح الكذب حتى عند الحيوان

مشاهدة من الموقع

النمل أمة من الأمم، وهي من أحرص الحيوانات خاصة على طلب رزقها، وعلى الادخار؛ ولذلك يُضرب بها المثل في الحرص، وليس لها قيادة النمل، يقولون: ليس لها قائد، وإنما لها رسول إذا وجد طعامًا نادى بقية النمل لكي يجتمعن على حمل هذا الطعام إلى البيت، إلى بيت النمل.

وهذه القصة التي ذكرها ابن القيم -رحمه الله- عن رجلٍ حدَّثه: أن نملة خرجت من بيتها، فوجدت شِقَّ جَرَادة، وهذا شيء مرغوب للنمل، فلم تُطِق حَمْله، فاستعانت ببقية النمل لكي يساعدنها، فلما أتى بقية النمل إذا بهذا الرجل رفع شق الجرادة عن الأرض، فلما جاءت بقية النمل لم يجدوا شق جرادة، ففعل ذلك مرة ثانية، ثم ثالثة، فلما أتت المرة الثالثة استدار النمل حَلْقةً ووضعوها في وسطها وقطعوها عضوًا عضوًا؛ لأنهم يرون أنها كذبت عليهم ثلاث مرات. فهذا من العجائب! يعني أن النمل يستقبح الكذب.

ولهذا؛ ابن القيم قال: ذكرت هذه القصة لابن تيمية فقال: هذه النمل فطرها الله على قُبح الكذب وعقوبة الكذاب، والحيوانات مفطورة على استنكار الكذب واستنكار بعض قبائح الأمور، وإن كان إدراكها ضعيفًا، لكنها مفطورة على بعض هذه المعاني[1].

هذا الهدهد، الهدهد مر من الشام إلى اليمن بلاد سبأ، ولم يلفت نظره أي شيء إلا عبادة الشرك، وقال: وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ۝ إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ ۝ وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ [النمل:22-24].

فلاحِظ كيف أن الهدهد استنكر عبادة الشرك! كيف تسجد هذه الملكة وقومها للشمس من دون الله: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النمل:25]. فالهدهد مفطور على التوحيد، وعلى إنكار الشرك، فنقل هذا لسليمان، وحصل ما حصل مما قصه الله تعالى علينا في سورة (النمل). وهذا يدل على أن الهدهد كان مفطورًا على إنكار الشرك.

وأيضًا يَذكر بعض الناس -وبعضهم من كبار السن الأحياء الموجودين الآن- يذكرون أنهم لما كانوا يحجون على الإبل، يقولون: إنه إذا كان يومُ عرفة أحيانًا يجدون أن بعض الإبل تُرْخي رقبتها، ويسيل دمعها من عينيها. حدثني أحد كبار السن بهذا. وسمعت أيضًا قصصًا عن غيره ممن كانوا يحجون على الإبل؛ يعني: أنها تخشع في ذلك المكان وذلك الزمان وتُرخي برقبتها إلى الأرض، ويسيل الدمع من عينيها.

فالحيوانات يوجد عندها بعض هذه المعاني، ولكن ليست كلها؛ لأنها ليست مكلفة، لكن بعض هذه المعاني توجد عند بعض الحيوانات.

^1 "شفاء العليل": ص70.
zh