لا تستحي من إعطاء القليل، سواء كان صدقة، أو هدية، أو أي شيء؛ فإن إعطاءك للقليل خير من الحرمان.
ولهذا؛ ينبغي للمسلم أن يحرص على الصدقة وإن كانت يسيرة، حتى ولو تصدق بريال، لكن لا تترك الصدقة، لا تستقل، لا تقل: ما معي إلا ريال، ما معي إلا خمسة ريالات. تصدق ولو بالمبلغ اليسير؛ فإنك لا تدري قد تقع عند الله تعالى موقعًا عظيمًا.
وفي حديث السبعة الذين يُظِلهم الله تعالى تحت ظِلِّه يومَ لا ظِلَّ إلا ظِلُّه، ذكر النبي رجلًا تصدق بصدقة ولم يبين النبي مقدار هذه الصدقة، ربما تكون بشيء يسير، فأخفاها؛ حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه[1].
أي: أن هذه الصدقة اقترن بها إخلاصٌ عظيم، بحيث لو قُدِّر أن اليد الشمال تُبصر ما استطاعت أن ترى اليد اليمين من شدة الإخفاء؛ فكان جزاء هذا أن يكون من السبعة الذين يُظلهم الله تعالى تحت ظله يوم لا ظل إلا ظله.
فلا تحتقر اليسير؛ فإنك لا تدري قد يكتب الله تعالى لك بسببه أجرًا عظيمًا.
وكان بعض الصحابة فقراء، لا يجدون إلا جهدهم؛ فيتصدقون بالشيء اليسير، فكان يسخر منهم المنافقون، ويقولون: إن الله غني عن صدقة هذا. فإذا تصدق أغنياء الصحابة بالشيء الكثير، قالوا: إن هذا مُرَاءٍ؛ فأنزل الله قوله: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ يعني: من الفقراء يتصدقون بالشيء اليسير وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ [التوبة:79]. فذَمَّ اللهُ مَن يسخر بمن يتصدَّق بالشيء اليسير، وهذا ذم شديد.
فمن تصدق بالشيء اليسير، أو أعطى الشيء القليل، ينبغي أن يُشكر، حتى وإن كان ما بذله يسيرًا؛ فإن هذا خير من الحرمان، حتى ولو أن تهدي لأخيك عُودَ سواك مثلًا هذا خير.
ولهذا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: لا تحقرن جارةٌ جارتها، ولو فِرْسَنَ شاة[2]؛ يعني: "فرسن الشاة" الذي هو ظِلْفُ الشاة؛ يعني: ولو كان شيئًا يسيرًا تُهدي لجارتها، حتى ولو كانت الهدية بالشيء اليسير.