نعم، هذه المقولة من حاتمٍ الأَصَمِّ -رحمه الله تعالى- مقولة عظيمة[1]: إذا رأى الإنسان عيبًا في أخيه المسلم فلا يخلو: إما أن يكتمه وهذا خلاف مقتضى النصح والأمانة؛ فإن من حق المسلم على المسلم أن ينصح له. وإن قال هذا العيبَ لغيره فقد وقع في الغِيبة، والغيبة محرمة: وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا [الحجرات:12]. وإن واجهه به مباشرة، فقد يوحشه.
ولذلك؛ الموقف الصحيح أن يتلطف معه في النصيحة، ينصحه لكن بلطف؛ لأن النصيحة مهما يكن تبقى نقدًا، والنقد ثقيل على النفس البشرية؛ ولذلك لا بد من تلطف الناصح في النصيحة، وأن يكون ذلك برفق وبلين، ويكون ذلك فيما بينه وبينه سرًّا؛ فإن من أدب النصيحة أن تكون سرًّا بينك وبين من تنصحه. أما النصيحة أمام الناس؛ فهذه ليست نصيحة وإنما فضيحة.
فمن أدب النصيحة: أن تكون سرًّا فيما بينك وبين من تنصحه، وأن يكون ذلك بلطف، وأن يبدأ الناصحُ النصيحةَ بذِكر بعض محاسن مَن ينصحه، فيبدأ يقول: "أرى فيك كذا وكذا"، مما يراه فيه مِن محاسنه، ثم يأتي بعبارة فيها لطف ورفق، فإما أن يُكنِّي بذلك، أو يُعرِّض به، أو يأتي بأسلوب لين؛ حتى يقبل المنصوح النصيحة.
والله لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون أكبر طاغية في تاريخ البشرية -الذي ادعى مقام الربوبية- ومع ذلك قال الله لموسى وهارون: فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى [طه:44].
فلا بد من اللين في النصيحة، ولا بد من التلطف، ولا بد من الرفق؛ وإلا فإن من ينصح بغلظة وفظاظة فإن النفوس لا تقبل النصيحة، بل تنفر منها إذا كانت بهذا الأسلوب، كما قال الله تعالى عن نبيه محمد : وَلَوْ كُنْتَ يعني: يا محمد فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]. "لانفضوا مِن حولك" وهم الصحابة الذين يعلمون أن ما يقوله رسول الله أنه حق بل وحي، ومع ذلك: لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ [آل عمران:159]؛ لأن النفوس مجبولة على النفرة ممن كان غليظًا فظ القلب.
^1 | قوله: إذا رأيت من أخيك عيبًا: فإن كتمته عليه فقد خُنْتَه، وإن قلته لغيره فقد اغتبته، وإن واجهته به فقد أوحشته. قيل له: كيف أصنع؟ قال: تُكنِّي عنه، وتُعرِّض به، وتجعله في جملة الحديث. "الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيان التوحيدي: ص245. |
---|