هذا القرآن عجب، هو كتاب ربنا ، معجز في كل شيء؛ معجز في لفظه، يقول السيوطي رحمه الله[1]: لو أخذنا كلمة من القرآن كلمة واحدة، وأخذنا جميع قواميس اللغة العربية لِنَجِد كلمةً أفضل منها لم نجد، لم نجد! معجز في لفظه. معجز في أسلوبه، معجز في معانيه، معجز في تركيبه، معجز في حفظ الله له؛ رغم ما اعترى الأمة الإسلامية من أحداث عظيمة، إلا أن هذا القرآن بقي محفوظًا بحفظ الله لم يتغير منه حرف واحد، حرف! لأن الله تكفل بذلك: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، عندما يقول ربنا: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9] انتهى الأمر، القرآن محفوظ قطعًا: وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9].
نقرؤه غضًّا طريًّا كما نزل، كما يقرؤه رسول الله وصحابته، لم يتغير منه حرف واحد، أليس هذا من إعجاز القرآن؟ ترى الأعجمي الذي لا يعرف اللغة العربية يقرأ القرآن أحيانًا قراءةً أفضل من العربي. وقد ذهبتُ مرة لمقرأة قرآنية في إحدى البلدان، فدخلت على أناس من العجم، فإذا بهم لا يفقهون من العربية شيئًا، ولا كلمة واحدة، وإذا بهم يقرؤون القرآن قراءةً مثلَ قراءةِ العربيِّ أو أحسنَ، قراءةً متقنةً من غير عُجْمة، وبأحكام التجويد. فسبحان الله! هذا من إعجاز القرآن وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17].
هذا القرآن -أيها الإخوة- مبارك: كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ [ص:29]، مبارك في تلاوته، مبارك في حفظه، مبارك في العمل به، مبارك في التحاكم إليه، مبارك في الرقية به والاستشفاء به.
ولهذا؛ لمَّا قرأ الصحابيُّ على سيدِ حيٍّ من أحياء العرب وقد لدغته العقرب شُفي تمامًا وقام كأنما نَشِطَ مِن عِقَال[2]، مع أنه نَفَذ في دَمِه سُمُّ العقرب، ومع ذلك ببركة القرآن شفاه الله .
فهذا القرآن العظيم -أيها الإخوة- علينا أن نُعظِّمه، ومن تعظيمه: أن المسلم يرتبط به، ويجعل له كل يوم نصيبًا من التلاوة.