من الدروس في قصة يوسف:
أن العدل مطلوب في الأمور كلها، حتى في معاملة الوالد لأولاده في المحبة، وأن في الإخلال بذلك فسادًا للأحوال؛ ولهذا لمَّا قَدَّم يعقوبُ يوسفَ على إخوته في المحبة وآثره عليهم جرى منهم ما جرى على أنفسهم وعلى أبيهم وعلى أخيهم، بل كان ذلك حاملًا لهم إلى أن هموا بقتله: إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ [يوسف:8-9].
ويعقوب -عليه الصلاة والسلام- لا يخفى عليه هذا المعنى، لكن يوسف وأخاه بنيامين أمهما قد توفيت، وأم بقية أبناء يعقوب موجودة، فأراد يعقوب -عليه الصلاة والسلام- أن يعوض يوسف وأخاه بمزيد من العطف والحنان ونحو ذلك، لكن إخوة يوسف لم يعذروه، لم يعذروا يعقوب.
فعندما تتأمل -يعني- واقع يعقوب -عليه الصلاة والسلام-؛ أراد أن يعوض يوسف وأخاه لأن أمهما ميتة.
فإن قال قائل: كيف نقول ذلك والله تعالى يقول: وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ[يوسف:100]؟
نقول: نعم، إن قوله: أَبَوَيْهِ يشير لهذا المعنى؛ لأنه ما قال “والديه” وإنما قال: أَبَوْيِهِ، وقد ذكر المفسرون أنَّ أم يوسف وشقيقه كانت ميتة؛ فهذا هو السبب الذي جعل يعقوبَ يَعطِفُ على يوسف وعلى أخيه أكثر من بقية أولاده.
لكن مع ذلك لم يعذروه، ووصفوا أباهم بالضلال، وأيضًا الضلال المبين، ثم قالوا: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا [يوسف:9]؛ كل ذلك لماذا؟ لأن -فقط- يعقوب كان يفضل يوسف وأخاه في المحبة يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ [يوسف:9].
