وأما الأول والثاني: البخل والجُبن، فكان عليه الصلاة والسلام يكثر من الاستعاذة بالله منهما. [1].
وضد البخل: الكرم، وضد الجُبن: الشجاعة. والشجاعة والكرم كانت العرب تمدح من يتصف بهما، بل لا يُسوِّدون إلا مَن اتَّصَف بهما، فمَن كان بخيلًا العربُ لا تُسوِّده، لا تجعله سيدًا في قومه، وكذلك مَن كان جبانًا لا تُسوِّده العرب.
فالكرم والشجاعة خُلُقَان كريمان عند جميع الأمم، والجبن والبخل خلقان مذمومان عند جميع الأمم.
الجبن معناه: شدة الخوف والهلع، يكون الإنسان كثيرَ الخوف؛ يتخوف من كل شيء. وهذا أمر مذموم، حتى إنه لا يُنفق في سبيل الله؛ لا ينفق في وجوه الخير خوفًا من الفقر، لا يكاد يفعل معروفًا خوفًا من الناس، وقد جاء في حديث أبي هريرة أن النبي قال: شر ما في الرجل شح هالع، وجبن خالع أخرجه أبو داود وأحمد بسند صحيح[2].
شح هالع الشح هو أشد البخل. هالع؛ يعني: يمنعه من إخراج الحق الواجب عليه، فإن استخرج منه هلع وجزع. وجبن خالع؛ الجبن يعني: خوف شديد. خالع؛ يعني: يكاد يخلع فؤاده من شدة الخوف.
هذا يعني من شر الخصال؛ إذا اجتمع البخل والجبن هذه من شر الخصال التي تكون في الإنسان.
والشجاعة من أسباب انشراح الصدر، ومن أسباب السعادة؛ لأن الجبان يكون عنده ألم نفسي؛ يخشى من كل شيء، ويخاف من كل شيء.
ولهذا؛ قال الإمام ابن القيم رحمه الله: الشجاع منشرح الصدر، واسع البِطَان، مُتَّسع القلب، والجبان أضيق الناس صدرًا، وأحصرهم قلبًا[3].
طيب، هل الكرم والشجاعة خُلُقَان فِطْريان يُخلقان مع الإنسان، أو مكتسبان؟
نعم، منه ما هو مكتسب ومنه ما هو فطري، بعض الناس قد يولد شجاعًا كريمًا بفطرته، وهذه نعمة عظيمة من الله . لكن -أيضًا- جزء منه مُكتسَب؛ فبعض الناس قد يجد من نفسه البخل؛ أنه بخيل، كيف يُعالِج هذا الخُلُقَ الذَّمِيم؟ يتعاطى الكرم، يتكلف الكرم شيئًا فشيئًا إلى أن يُصبح كريمًا. وهكذا لو وجد من نفسه الجبن؛ أنه جبان كثير الخوف، يخاف من كل شيء؛ فهنا يعالج ذلك بأن يتعاطى الشجاعة، يتكلف الشجاعة إلى أن يصبح شجاعًا.
لكن، كما قلنا فيما سبق: إن الأخلاق الكريمة وَسَطٌ بين خلقين مذمومين؛ فمثلًا الشجاعة خلق كريم وسط بين الجبن وبين ماذا؟ والتهور، فالتهور ليس شجاعة، فالتهور يقابل الجبن، الخلق الكريم: الشجاعة.
كذلك الكرم، خُلُقٌ كريم بين خلقين مذمومين هما البخل والإسراف، فالأخلاق الكريمة تكون خلقًا كريمًا بين خلقين مذمومين.