logo
الرئيسية/مقاطع/هل يعتمد على الحساب الفلكي في دخول الشهر؟

هل يعتمد على الحساب الفلكي في دخول الشهر؟

مشاهدة من الموقع

مسألة الحساب الفلكي، هل يعتبر في إثبات دخول الشهر؟

هذه مسألةٌ قديـمةٌ تكلَّم عنها العلماء قديـمًا، ومن أبرز من تكلَّم عنها: ابن السبكي [1]، وكذلك أيضًا ابن تيمية [2]، رحمهما اللّه تعالى، يعني: من القرن الثامن؛ لأن الحساب كان قديـمًا معروفًا.

هناك من العلماء من قال: إنه لا يعتمد على الحساب، ولا يعتبر لا في النفي ولا في الإثبات، وهذا هو القول الأكثر.

ومنهم من قال: إنه يعتمد عليه في النفي والإثبات، وهذا قول القلة، ومن أشهر من قال بـهذا: الشيخ أحمد شاكر رحمه اللّه، وله في هذا رسالةٌ [3]، أحمد شاكر محدِّثٌ، وكَتَب في هذا رسالةً وبيَّن وجهته.

والقول الثالث: القول بالتفصيل، وهو قول السبكي رحمه اللّه، وهو أيضًا قول الشيخ محمد بن عثيمين رحمه اللّه [4]، وهو التفريق بين النفي والإثبات، فيعتمد على الحساب في النفي دون الإثبات.

ما الفرق بين النفي والإثبات؟

الإثبات معناه: أن يقول الفلكيون: إن رؤية الهلال ممكنةٌ، ثم لا يتقدم شاهدٌ؛ مثلًا: يوم الجمعة القادم، لو افترضنا أن الفلكيين قالوا: إن رؤية الهلال مـمكنةٌ، لكن لم يتقدم شاهدٌ، هذا معنى الإثبات، فيقولون: في الإثبات لا يقبل الحساب، لا يعتبر، ما دام أنه ما تقدم شاهدٌ؛ فيكمل شعبان ثلاثين يومًا.

وأما في النفي: إذا قال الفلكيون: إنه يستحيل رؤية الهلال؛ لكون الهلال مثلًا يغرب قبل الشمس، فيقولون: يعتمد عليه، وتُرَدُّ شهادة الشاهد.

والذي يظهر -واللّه أعلم- هو التفريق بين الحساب القطعي وغيره؛ فإن الحساب منه ما هو قطعيٌّ، ومنه ما هو ظنيٌّ؛ فالظني غير معتبرٍ، أما القطعي فمعتبرٌ؛ فمثلًا: من القطعي: إذا غرب الهلال قبل الشمس؛ فلكيًّا لا يـمكن أنْ يُرى الهلال بعد غروب الشمس، إذا أتى شاهدٌ وادعى رؤية الهلال، معنى ذلك أنه متوهِّمٌ، كيف عرفنا هذا؟ أنت خذ غروب القمر شهرًا كاملًا، وطبقه على الطبيعة، هل تجد فيه خطأً؟ لا تجد؛ مثل غروب الشمس، بل إن معادلة غروب الشمس هي نفسها معادلة غروب القمر، ولكن فقط الخلاف في المُدخَلات، العملية الحسابية لغروب القمر هي نفسها العملية الحسابية لغروب الشمس، إذا كنت ستشك في غروب القمر، فشك أيضًا في غروب الشمس، ولا تفطر في رمضان حتى تصعد السطح وتنظر هل غربت بالفعل أم لا؟

فإذا غرب القمر قبل الشمس؛ فمعنى ذلك: أنه لا يـمكن أن يُرى الهلال، هذا قطعيٌّ، لكن لو كان الهلال موجودًا، مثل الذي سيحصل يوم الجمعة القادم إن شاء اللّه، الهلال موجودٌ، لكن هنا كلام الفلكيين يكون ظنيًّا، لماذا؟ لأنه يختلف الناس في حدة البصر، وفي الخبرة، ونحو ذلك، فبعض الناس ربما يكون عنده حدة نظرٍ، ويستطيع أن يرى الهلال، وهذه ترجع لقدرة العين البشرية، ما حدود قدرة العين البشرية للرؤية؟ هذه فقط لا يختص بـها الفلكيون، يشترك معهم فيها أطباء العيون، ويشترك معهم فيها علماء الفيزياء، فما هي حدود قدرة العين البشرية؟ 

مثل يوم الجمعة القادم، الهلال موجودٌ في الأفق، لكن حدود قدرة العين البشرية هذه محل اجتهادٍ، فهذا يعتبر ظنيًّا، لا يكون قطعيًّا؛ ولذلك لو تقدم شهودٌ برؤية الهلال؛ تقبل شهادتهم.

هذا الذي ظهر لي في بحث هذه المسألة: التفريق بين الحساب القطعي والحساب الظني؛ فمثلًا: غروب الهلال قطعيٌّ، فإذا غرب قبل الشمس؛ لا يـمكن أن يُرى الهلال، لكن إمكانية الرؤية ظنيةٌ ليست قطعيةً، مثل الذي سيحصل يوم الجمعة القادم إن شاء اللّه، الهلال موجودٌ في الأفق، لكن حدود رؤية العين البشرية تختلف فيها الأنظار والاجتهادات.

فالخلاصة: أن القول الراجح في هذه المسألة: أنه لا يُعتمد على الحساب الفلكي في الإثبات؛ لأن الأدلة قد دلت على اعتماد الرؤية: صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته [5].

وأما في النفي فيعتمد عليه فيما كان قطعيًّا من الحساب، دون ما كان ظنيًّا منه، وهذا هو الذي عليه العمل في العشر السنوات الأخيرة، ليس فقط عندنا في المملكة، بل في العالـم الإسلامي كله، يعني: أنه إذا كان الحساب قطعيًّا؛ لا يثبت دخول الشهر.

ومن أراد مزيدًا من التفصيل، لي كتابٌ كتبته لمؤتـمر كان في “رابطة العالـم الإسلامي” عن الاستعانة بالحسابات الفلكية في إثبات الأهلة، كتابٌ صغيرٌ، تكلمت فيه عن هذه المسألة كلامًا مفصلًا، فمن أراد مزيدًا من التفصيل والتوضيح؛ فليرجع لهذا الكتاب.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 فتاوى السبكي: (1/ 207-2011)، ط دار المعارف.
^2 ينظر: مجموع الفتاوى: (25/ 135-136، 173-174).
^3 كتاب أوائل الشهور العربية هل يجوز شرعًا إثباتها بالحساب الفلكي للشيخ أحمد محمد شاكر، ط مكتبة ابن تيمية.
^4 ينظر: ثمرات التدوين من مسائل ابن عثيمين (ص 50) مسألة (251).
^5 رواه البخاري: 1909، ومسلم: 1081.
مواد ذات صلة
zh