ثم ذكر المصنف رحمه اللّه أوصاف من تُقبل شهادته:
الوصف الأول:
لا بد أن يكون الشاهد مسلمًا، وهذا بالإجماع،
الوصف الثاني:
يعني: أن يكون بالغًا عاقلًا، وهذا أيضًا بالاتفاق.
الوصف الثالث:
أن يكون معروفًا بالعدالة، والعدل: هو من قام بالواجبات ولـم يفعل كبيرةً، ويكون غير معروفٍ بكثرة التوهم أو الكذب.
وهل الأصل في المسلم العدالة -أو الإنسان عمومًا- هل الأصل العدالة، أو عدم العدالة؟
من يجيب على هذا السؤال؟ هل الأصل العدالة، أو عدم العدالة؟
طيب، بعض الفقهاء قال: الأصل العدالة؛ لأن الإسلام يقتضي أن يكون المسلمون عدولًا، والأصل هو العدالة، وهذا هو المشهور أيضًا في المذهب عند الحنابلة.
والقول الثاني: أن الأصل عدم العدالة؛ لأن اللّه تعالى وصف الإنسان بالظلم والجهل، فقال: وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، إذا كان ظلومًا جهولًا؛ فالأصل فيه عدم العدالة، لا بد من تعديله، وهذا هو القول الراجح، واختاره جمعٌ من المـحققين من أهل العلم؛ كأبي العباس ابن تيمية وابن القيم وغيرهما، هذا هو الراجح؛ لأن الآية كالنص في المسألة، فالأصل عدم العدالة، وهذا أيضًا عليه الإجماع العملي للمسلمين على مر الأجيال السابقة، إذا أُتي بشاهدٍ؛ يَطلب القاضي تعديله، تزكيته، ولو كان الأصل العدالة؛ ما احتيج إلى تزكية هذا الشاهد، فيكاد يكون إجماعًا عمليًّا من المسلمين.
ولذلك أبو الطيب المتنبي له بيته المشهور:
والظلم من شِيَم النفوس فإن تجد | ذا عفَّةٍ فلِعِلَّةٍ لـم يَظلم[2] |
انتقده بعضهم على هذا، ويظهر أن كلامه صحيحٌ بناءً على هذا التقدير، فالأصل عدم العدالة.
ولذلك لو أتى شاهدٌ يشهد؛ فلا بد من مُزَكِّين لهذا الشاهد؛ لأن الأصل عدم العدالة، لو قلنا: الأصل العدالة، فلا حاجة لأن نأتي بـمزكين له، لكن من عُرف من الشهود بالكذب أو كثرة الوهم -الوهم قد يَرِد، لكن كثرة الوهم- فهذا لا تقبل شهادته.
تُقبل شهادة العبد؛ لأنه إنسانٌ مسلمٌ بالغٌ عاقلٌ، إذا كان عدلًا.
تُقبل شهادة المرأة في دخول شهر رمضان، لو أن امرأةً عندها حدة في البصر، ورأت الهلال؛ وشهدت تقبل شهادتـها، حتى لو لـم يُوجَد إلا هي، إذا كانت عدلًا.