ثم انتقل المؤلف بعد ذلك للكلام عن الأيام التي يُسن صيامها.
وهي الثالث عشر، والرابع عشر، والخامس عشر من الشهر الهجري القمري.
أما الاثنين: فقد جاء فيه الحديث الصحيح الذي رواه مسلمٌ: أن النبي كان يصوم يوم الاثنين ويقول: ذاك يوم وُلدتُ فيه، وبُعثت -أو أُنزل عليَّ- فيه [2].
وأما الخميس: فجاء فيه حديثٌ في سنده مقالٌ: أن النبي قال: ذانك يومان تُعرض فيهما الأعمال على رب العالمين، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائمٌ [3].
الحديث المروي في صيام الخميس في سنده مقالٌ، لكن لو عَمل به الإنسان وصام؛ يبقى صيام نافلةٍ، والأمر في هذا واسعٌ، لكن صيام الاثنين آكد.
لقوله عليه الصلاة والسلام: من صام رمضان، ثم أتبعه ستًّا من شوالٍ؛ كان كصيام الدهر [5]، يعني: كصيام السنة كلها؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها، صيام رمضان عن عشرة أشهرٍ، وستة أيامٍ عن كم يومٍ؟ عن ستين يومًا، يعني: شهرين؛ فيكون كصيام السنة كلها.
لقول النبي : أفضل الصيام بعد رمضان: شهر الله المحرم [6].
يعني: صيام عاشوراء، الذي هو العاشر من محرمٍ، قد قال عليه الصلاة والسلام: صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله [7].
والسُّنة أن يصام يومٌ قبله، أو يومٌ بعده، لكن صيام يومٍ قبله أفضل؛ لأن النبي قال: لئن بقيتُ إلى قابلٍ؛ لأصومن التاسع [8].
لعموم الحديث: ما العمل في أيامٍ أفضل منها في هذه، قالوا: ولا الجهاد؟ قال: ولا الجهاد، إلا رجلٌ خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيءٍ [9]، ومن أعظم الأعمال الصالحة: الصوم، وآكده: يوم عرفة لغير حاجٍّ بها، وقال عليه الصلاة والسلام: صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده [10]، وأما الحاج فيكره في حقه الصيام يوم عرفة.
هذه أعلى درجات صيام النافلة: صيام يومٍ، وإفطار يومٍ.