أيضًا من عظمة القرآن ووجوه الإعجاز فيه:
ما ذكره ربنا بقوله: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ [القمر:17]، يسَّره اللّـه تعالى للناس، حتى تجد أن الصبيان يحفظونه، أو يحفظون أجزاءً منه، بينما سائر الأمم لا يحفظ كتبها الواحد منهم، علماء أهل الكتاب ما يحفظون التوراة ولا الإنجيل، حتى علماؤهم -الأحبار والرهبان- لا يحفظون التوراة والإنجيل؛ ولذلك تجد دائمًا أنـهم يقرءون منها قراءةً: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا [آل عمران:93]، ما يحفظونـها، لكن القرآن يحفظه المسلمون، يحفظه حتى الصبيان، بل أعجب من هذا: أن العجم ومن لا يحسن العربية يحفظه ويقرؤه كما يقرؤه العربي! وهذا أمرٌ مشاهدٌ.
وأذكر مرةً أني دخلت مقرأةً قرآنيةً في إحد البلدان، وكان جميع من فيها من العجم، وإذا بي أسـمع تلاوةً طريةً، تلاوةً يقرؤها هؤلاء كما يقرؤها العرب، بل ربَّـما تلاوة بعضهم تفوق تلاوة بعض العرب، بصوتٍ حسنٍ شجيٍّ، فتعجبت من حسن التلاوة، ومن الإتقان، ومن عدم وجود العُجمة أو اللُّكْنة، وبعد انتهاء التلاوة تحدثت معهم، وإذا بـهم لا يحسنون العربية، ولا كلمةً واحدةً، فتعجبت من إتقانـهم للقرآن بـهذه الفصاحة، وعدم اللكنة، وعدم العجمة، يقرءونه كما يقرؤه العربي، بينما غير القرآن لا يعرفون منه كلمةً واحدةً باللغة العربية، آيةٌ من آيات اللّـه، وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ.