هنا أنبه إلى مسألةٍ ذكرت في “السلسبيل”[1]: وهي أن الشيء اليسير الذي يجوز أخذه إنـما هو اللقطة التي صاحبها غير معروفٍ.
وأما الشيء اليسير الذي صاحبه معروفٌ؛ فلا يجوز أخذه، بل يجب إرجاعه لصاحبه، حتى لو وجدت نصف ريالٍ، ما دام أن صاحبه معروفٌ؛ يجب أن تعطي نصف الريال هذا لصاحبه، لو وجدت قلمًا بنصف ريالٍ؛ يجب أن تسلم هذا القلم لصاحبه، ما دام أن صاحبه معروفٌ؛ فيجب إرجاعه إليه وإن كان شيئًا يسيرًا لا تلتف له همة أوساط الناس؛ ودليل ذلك: قول النبي : من اقتطع حق امرئٍ مسلمٍ بيمينه؛ فقد أوجب الله له النار، وحرَّم عليه الجنة، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وإن كان قضيبًا من أَرَاكٍ [2].
ما معنى: قضيبًا من أراك؟ يعني: وإن كان عود سواكٍ، أليس عود السواك من الأشياء التي لا تلتف لها همة أوساط الناس؟ ومع ذلك ذكر النبي هذا الوعيد الشديد في حق من اقتطع شيئًا ولو كان شيئًا يسيرًا مثل عود الأراك؛ لأن صاحبه معروفٌ، فإذا كان صاحبه معروفًا؛ يجب أن ترجعه إليه وإن كان شيئًا يسيرًا.
وهذه مسألةٌ يقع فيها الخلط من بعض الناس، يقول: هذا شيءٌ يسيرٌ، ويقيسه على ما يجوز التقاطه بدون تعريفٍ، هذا قياسٌ غير صحيحٍ، وهذا فهمٌ خاطئٌ، الشيء الذي صاحبه معروفٌ، وإن كان شيئًا يسيرًا، وإن كان قضيبًا من أراكٍ، وإن كان قلمًا بنصف ريالٍ، يجب أن ترجعه لصاحبه.