الرئيسية/مقاطع/حكم استلحاق ولد الزنا
|categories

حكم استلحاق ولد الزنا

مشاهدة من الموقع

مسألة: حكم استلحاق ولد الزنا.

هذه مسألةٌ مهمةٌ، وعرضت على “المـجمع الفقهي”، وأنا كتبت فيها بحثًا نشر في كتيبٍ صغيرٍ، خلاصته:

أن المرأة إذا كانت فراشًا -يعني ذات زوجٍ أو سيدٍ- فقد أجمع العلماء على أن ولد المزني بـها لا يُلحق بالزاني، وإنـما القاعدة في هذا: “أن الولد للفراش”، يلحق بصاحب الفراش شاء أم أبى، مثلًا: إنسانٌ زوجته زنت وحملت من الزنا، يُلحق ولد الزنا بالزوج، إذا أراد أن ينفيه ليس له إلا طريقٌ واحدٌ لنفيه وهو اللعان، ما من طريقٍ آخر غير اللعان، إذا أردت أن تنفيه تُلاعِن.

واللعان هنا: إذا تأكد من أن المرأة حملت من الزنا، حكم اللعان: واجبٌ، يجب عليه أن يُلاعِن، أما إذا لـم تحمل؛ فلا يجب.

أما إذا لـم تكن المزني بـها فراشًا، يعني: غير متزوجةٍ، ليست مرتبطةً بزوجٍ، وزنا بـها رجلٌ وأنجبت منه؛ فهذا ولد الزنا، يُلحق بأمه بالاتفاق، لكن هل يلحق بأبيه؟

نفترض مثلًا أن هذا الزاني أراد أن يستلحق هذا الولد، تزوج بـهذه المرأة المزني بـها، أو لـم يتزوج بـها لكن قال: إنه خلق من مائه، وأنه أبوه، فهل يلحق به أم لا؟

قولان للعلماء: 

  1. القول الأول: أن ولد الزنا لا يُلحق بالزاني، وهذا هو الذي عليه المذاهب الأربعة: الحنفية[1] والمالكية[2] والشافعية[3] والحنابلة[4].
  2. والقول الثاني: أن ولد الزنا يلحق بالزاني إذا استلحقه، وهذا قال به بعض التابعين، واختاره ابن تيمية[5] وابن القيم[6]، وهذا هو القول الراجح؛ لأنه ليس هناك دليلٌ يدل على عدم الاستلحاق.

أما حديث: الولد للفراش [7]، فكما قال ابن القيم: “نحن أول القائلين به إن كان ثَـمَّ فراشٌ”، نحن نشترط للاستلحاق: ألا تكون المرأة فراشًا، أما إذا كانت فراشًا فالولد للفراش، لكن هذه المرأة غير متزوجةٍ.

وأيضًا استدل ابن القيم بقصة جُرَيجٍ بدليلٍ عجيبٍ، تعرفون قصة جريجٍ، جريجٌ كان عابدًا ومنقطعًا للعبادة في صومعته، فتعجب الناس من عبادته، وكان هناك امرأةٌ بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل يتمثل الناس بحسنها، قالت: والله لأُغوينَّه، قالوا: ما تستطيعين، فذهبت إليه في صومعته وتعرَّضت له، بعدما تزينت وتـهيَّأت، فلم يلتفت إليها، فذهبت لراعٍ حول الصومعة وأمكنته من نفسها، فوقع بـها فحملت، فولدت وقالت: هذا من جريجٍ.

انظر إلى سرعة إساءة الناس الظن! هذا رجلٌ عابدٌ منقطعٌ، فسرعان ما أساءوا به الظن، فهدموا صومعته وجعلوا يضربونه، وهو لا يدري، قال: ما القصة؟ ما شأنكم؟ قالوا: أنت زنيت بـهذه المرأة، وأنجبت هذا الولد، فقام وتوضأ وصلى ركعتين، وقال: ائتوني بـهذا الولد، ثم طعن في بطنه وقال: يا غلام، من أبوك؟ قال: فلانٌ الراعي، فأنطقه الله ​​​​​​​، فجعلوا يُقبِّلون جُريـجًا ويتمسحون به، ويقولون: نعيد بناء صومعتك ذهبًا، قال: لا، بل أعيدوها كما كانت [8].

وجه الدلالة من هذه القصة: يقول ابن القيم: “إن هذا الغلام لـمَّا أنطقه الله فقال: إن أباه فلانٌ الراعي، هذا إنطاقٌ من الله لا يجوز فيه الكذب، جعل أباه من؟ الزاني، ومع ذلك قال: إنه أبوه“، لما قال: يا فلان، من أبوك؟ قال: فلانٌ الراعي، قال: وهذا إنطاقٌ من الله لا يجوز فيه الكذب”[9].

أيضًا من الأدلة: أن ولد الزنا يلحق بأمه بإجماع العلماء، يلحق بأمه وينسب إليها، ويرثها وترثه، مع كونـها قد زنت به، وقد وُجد الولد من ماء الزانيين جميعًا، واشتركا فيه، واتفقا على أنه ابنهما، فكيف يلحق بأمه ولا يلحق بأبيه؟ فإن قيل: إنه أبوه من الزنا، نقول: طيب هذه أمه من الزنا أيضًا، ما الفرق بين أبيه من الزنا وأمه من الزنا؟ لا فرق؛ ولهذا ابن القيم تعجب من هذا وقال: ما المانع من لحوقه بالأب إذا لـم يَدَّعِه غيره؟ إلحاقه بأبيه من الزنا، هذا محض قياسٍ، كيف يلحق بأمه ولا يلحق بأبيه، وهذه أمه من الزنا، وهذا أبوه من الزنا؟!

ثـم أيضًا إلحاقه بأبيه من الزنا فيه مصلحةٌ عظيمةٌ له، هذا الطفل يُنتَشل؛ لأن مجهول النسب تبقى هذه العقدة عنده، عقدة أنه مجهول النسب، ويتحطم منها، ويعيش بألـمٍ شديدٍ، فكونه يُلحق بأبيه فيه مصلحةٌ عظيمةٌ، وليس في ذلك ضررٌ، يعني: ما المانع؟ ليس هناك دليلٌ شرعيٌّ يـمنع، ولا حتى قياسٌ صحيحٌ، ما المانع من أن يلحق بأبيه من الزنا؟ ما من شيءٍ يـمنع من هذا.

وعلى هذا فالقول الراجح: أنه إذا لـم تكن المزني بـها فراشًا، واستلحقه الزاني، أنه يلحق بأبيه، هذا هو القول الراجح الذي عليه جمعٌ من المـحققين من أهل العلم.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 ينظر: المبسوط للسرخسي (4/ 206)، ط دار المعرفة.
^2 الأحكام لعبد الملك بن حبيب: (ص 173)، ط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية.
^3 الحاوي الكبير للماوردي: (8/ 162)، ط دار الكتب العلمية.
^4 الجامع لعلوم الإمام أحمد: (11/ 486)، ط دار الفلاح.
^5 مجموع الفتاوى: (32/ 139).
^6 زاد المعاد: (5/ 584)، ط عطاءات العلم.
^7 رواه البخاري: 2053، ومسلم: 1457.
^8 رواه البخاري: 3436، ومسلم: 2550.
^9 زاد المعاد: (5/ 584).
مواد ذات صلة