الرئيسية/مقاطع/حكم المبيت خارج منى
|categories

حكم المبيت خارج منى

مشاهدة من الموقع

أيضًا من النوازل في الحج -ولعلي أختم بها- تعذر المبيت بمنًى للحاج، منًى كانت إلى وقتٍ ليس بالبعيد تسع الحجيج؛ لأن الحجيج كانوا قِلةً، وقد ذكر الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يقول: إننا في سنةٍ من السنوات حججنا، وفي الحج أثناء الطواف نقبِّل الحجر الأسود في كل شوطٍ؛ من قلة الحجيج، ومن قلة الزحام، وأتينا إلى منًى ونحن أقمنا في خيمةٍ عند مسجد الخير، ونرى الجمرات ونحن في ذلك المكان، وبين كل خيمةٍ وخيمةٍ مسافةٌ كبيرةٌ، وعند كل خيمةٍ حطبٌ؛ كأن السوق حطبٌ، لم يكن الناس كثيرين، فلم يكن الحجاج كثيرين، وكانت منًى تسع الحجيج، ولم يخطر ببال الفقهاء السابقين أن منًى ستمتلئ؛ ولذلك لم يبحثوا ولم يذكروها، أما في الوقت الحاضر فقد أصبحت منًى لا تسع الحجيج.

ومع الزيادة الكبيرة للمسلمين أقول: ينبغي التفكير في حلول جذريةٍ لكي تسع المشاعر أكبر عددٍ من المسلمين من الحجيج؛ ومن ذلك مثلًا: التفكير في وضع طوابق مفتوحةٍ، هذا من ضمن الأفكار، أو غير ذلك من الأفكار، وهيئة كبار العلماء أجازت البناء على سفوح الجبال التي لا يُستفاد منها الآن، بدل أن تبقى لا يستفاد منها، فأجازت الهيئة البناء عليها، وقد بُني عليها بالفعل، أو بُدئ في بناء أبراجٍ عليها، يعني بدل أن تبقى السفوح لا يُستفاد منها؛ يمكن أن يوضع عليها بناءٌ ويكون فيها الحجيج، وتستوعب أعدادًا كبيرةً من الحجيج.

المقصود: أن منًى الآن لا تسع الحجيج، ضاقت منًى، فالذي لا يجد مكانًا في منًى ماذا يفعل؟ 

المبيت بمنًى واجبٌ من واجبات الحج.

طيب هذا يقول: أنا ذهبت لمنًى ما وجدت مكانًا، هنا اختلف العلماء المعاصرون على قولين:

فمنهم من قال: إنه يسقط هذا الواجب، وقالوا: إن الواجبات تسقط بالعجز عنها، والله تعالى يقول: لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286]، ومن أبرز من قال بهذا القول سماحة شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله[1].

القول الثاني في المسألة: أن الحاج يلزمه أن يبيت في أقرب مكانٍ يلي منًى، يبحث عن أقرب مكانٍ يلي منًى، إما من جهة المزدلفة، أو من جهة العزيزية، المهم أن يبيت في أقرب مكانٍ يلي منًى، ومن أشهر من قال بهذا: الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله، قالوا: لأن مقصود الشريعة من مبيت الحجيج بمنًى: هو أن يجتمع الحجيج في مكانٍ واحدٍ، فيكونوا أمةً واحدةً، وهذا يتحقق إذا بات الحاج في أقرب مكانٍ إلى منًى.

واستدلوا أيضًا بقول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16]، قالوا: ولا يكون الحاج قد اتقى ما استطاع إلا إذا بات في أقرب مكانٍ إلى منًى، وهذا القول أظهر وأقرب، ولعله القول الراجح في المسألة؛ لأنه أيضًا الذين أخذوا بالقول الأول توسعوا فيه، وأصبحوا في ليالي التشريق وأيام التشريق يبيتون في فنادق خمسة نجومٍ، يقولون: ما وجدنا مكانًا في منًى، بل بعضهم حتى لو ذهب إلى جدة وبات، وبقي في فندقٍ خمسة نجومٍ، أو في الطائف؛ يقول: ما وجدت مكانًا في منًى.

فالذين أخذوا بالقول الأول توسعوا في التطبيق، وهذا فيه أيضًا الإشارة إلى ضعفه؛ لأنه أحيانًا بعض الأقوال عندما تُعرض نظريًّا وتطبق علميًّا؛ التطبيق العملي يبيِّن لك قوة القول أو ضعفه، وعلى هذا فالأقرب أن نقول للحاج: ابحث عن أقرب مكانٍ إلى منًى.

مزدلفة الآن، جهة مزدلفة مما يلي منًى فيها مخيمات (هـ)، يجوز للحاج أن يبيت فيها ليالي التشريق؛ لأنها أقرب مكانٍ يلي منًى من جهة المزدلفة، فلا بأس بذلك.

وأيضًا هناك بعض الحجيج لهم طريقةٌ أخرى: وهي أنهم يبيتون مثلًا في فندقٍ، أو يقيمون أيام التشريق في فندقٍ، ولكن في الليل يأتون إلى منًى، ويمكثون فيها أكثر من نصف الليل، وهذا لا بأس به؛ لأن الواجب في بيتوتة منًى المكث في منًى أكثر من نصف الليل، ويمكن أن يجعلوا رميهم بالليل، فأثناء ذهابهم للجمرات ورجوعهم ربما ذهب ساعتان أو ثلاثٌ، يضيفون لها ثلاث ساعاتٍ، وبذلك يكون قد حقق هذا الواجب وهو المبيت بمنًى، هذا هو الأقرب في هذه المسألة.

أما أن نقول: إن الحاج لا يبيت بمنًى ويذهب ويبيت في فندقٍ خمسة نجومٍ، هذا في الحقيقة لا يتفق مع مقاصد الشريعة في الحج.

أيضًا هناك نازلةٌ متعلقةٌ بهذه النازلة، بعض الناس يقول: هل يجوز لي من البداية أن أختار حملةً في مخيمات (هـ) في مزدلفة، أو يجب علي أن أختار حملةً في منًى؟ 

نقول: يجوز لا بأس أن تختار حملةً في مخيمات (هـ)؛ لأنك تعلم يقينًا بأن منًى ستمتلئ، يقينًا نحن نعلم أن منًى ممتلئةٌ، فإذا اخترت مخيمًا في مخيمات (هـ) في مزدلفة؛ فأنت لم تجد مكانًا في منًى في الحقيقة، أشبَهَ ما لو دخل الإنسان المسجد الجامع يوم الجمعة وهو يعلم بأن هذا الجامع يمتلئ، وجلس في الصف الأخير، ثم عند إقامة الصلاة امتلأ المسجد الجامع، وصلى في مكانه، صلاته صحيحةٌ.

هكذا أيضًا هنا إذا اختار مخيمات (هـ) من البداية؛ فلا حرج عليه في هذا إن شاء الله.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 ينظر: فتاوى نور على الدرب: (18/ 82)، جمع الشويعر.
مواد ذات صلة