أيضًا من نوازل الحج: لبس الكمام، الكمامات التي يلبسها بعض الناس؛ اتقاء الغبار والروائح ونحو ذلك.
الكمام هو في الحقيقة يغطي جزءً كبيرًا من الوجه؛ ولذلك لو وضعه الإنسان على رأسه؛ غطى جزءًا كبيرًا من الرأس، فلا يجوز أن يوضع على الرأس، وإذا وضع على الوجه فالإشكال فيه: أنه يغطي جزءًا من الوجه، فهل يجوز للمحرم لبس هذا الكمام؟
هذا يرجع إلى مسألةٍ: وهي حكم تغطية الوجه للمحرم، وهذه مسألةٌ محل خلافٍ بين الفقهاء:
- فمنهم من قال: إنه يجوز للمحرم أن يغطي وجهه، وإلى هذا ذهب الجمهور.
- ومنهم من قال: ليس للمحرم أن يغطي وجهه، ذهب إلى هذا بعض أهل العلم.
وسبب الخلاف: الخلاف في ثبوت زيادة: ولا وجهه، المذكورة في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما، فإنه قد جاء في حديث ابن عباسٍ في قصة الرجل الذي وقصته دابته، قال النبي : كفنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه، هذه الرواية متفقٌ عليها، زاد مسلمٌ في روايةٍ: ولا وجهه؛ فإنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا [1].
رواية: لا تخمروا رأسه، هذه محفوظةٌ اتفق عليها البخاري ومسلمٌ، زيادة: ولا وجهه، هذه انفرد بها مسلمٌ، والمحققون من المحدثين يرون أن هذه الزيادة شاذةٌ، وأنها غير محفوظةٍ، وقالوا: إن إيراد الإمام مسلمٍ لها؛ للتنبيه على ضعفها.
خذ هذه الفائدة:
الإمام مسلمٌ في “صحيحه” يذكر الرواية الصحيحة، ثم يذكر بعدها الرواية الضعيفة، وقد أشار إلى هذا في مقدمته، فالإمام مسلمٌ ذكر الرواية الصحيحة، ثم ذكر بعدها هذه الرواية؛ تنبيهًا على ضعفها، فالإمام مسلمٌ نفسه الذي خرج هذه الرواية ضعفها بتخريجها بهذه الطريقة.
ونظير ذلك: غيروا شعر هذا [2]، أخرجه مسلمٌ بهذا اللفظ، قصة الرجل الذي أُتي به في قصة والد أبي بكرٍ الصديق أبي قحافة، قال النبي عليه الصلاة والسلام: غيروا شعر هذا، رواه مسلمٌ هكذا، ثم رواه مسلمٌ بروايةٍ أخرى: غيروا شعر هذا وجنبوه السواد [3]، فقالوا: إن الرواية الثانية ذكرها مسلمٌ؛ للتنبيه على ضعف زيادة: وجنبوه السواد.
فإذنْ زيادة: ولا وجهه، غير محفوظةٍ، وإذا كانت غير محفوظةٍ؛ فالأصل الإباحة والجواز.
وعلى هذا: فالقول الراجح أن المحرم يجوز له تغطية وجهه؛ وبناءً على هذا فيجوز للمحرم لبس الكمام، هذا إذا كان رجلًا.
المرأة كذلك كالرجل، لكن بعض المعاصرين قال: إن لبس المرأة للكمام يشبه النقاب، فمنعوا المرأة من لبس الكمام لأجل ذلك، ولكن هذا محل نظرٍ؛ إذ إن النقاب مفصَّلٌ على الوجه، أما الكمام فليس مفصلًا، الكمام فقط للفم والأنف؛ لأجل اتقاء الروائح، فلا يعتبر مخيطًا؛ ولهذا فالقول الراجح: أن المرأة كذلك يجوز لها أن تلبس الكمام.
إذنْ المحرم والمحرمة يجوز لهما لبس الكمام أثناء الإحرام بناءً على القول الراجح.