logo
الرئيسية/مقاطع/هل تعتبر مدينة جدة ميقاتًا؟

هل تعتبر مدينة جدة ميقاتًا؟

مشاهدة من الموقع

أيضًا من نوازل الحج المتعلقة بالإحرام: الإحرام من جدة، الإحرام من جدة هي مسألةٌ قديمةٌ، لكن طرأ في الوقت الحاضر ما يستدعي إعادة النظر فيها.

كان الناس قديمًا يأتون على الإبل، ويأتون راجلين، ما كانوا يأتون عن طريق جدة، إلا من يأتي عن طريق البواخر والبحر، فلم يكن هناك اهتمامٌ كبيرٌ بقضية الإحرام من جدة.

وأما في الوقت الحاضر فقد أصبح معظم الحجاج يأتون عن طريق جدة؛ لأن المطار في جدة، ومكة ليس فيها مطارٌ، ومعظم الحجاج يأتون عن طريق جدة.

بعض العلماء المعاصرين اعتبروا جدة ميقاتًا [1]، ولهم في هذا مسالك؛ منها:

  • أن النبي حدد المواقيت باعتبار مجيئ الناس في زمنه، كانوا يأتون عن طريق هذه المواقيت الخمسة، وأن جدة أصبح الآن أكثر الحجاج يأتون عن طريقها؛ فتكون ميقاتًا، وهذا أضعف الأقوال باعتبارها ميقاتًا مستقلًّا.
  • ومنهم من ذهب إلى أن جدة تحاذي أحد المواقيت، تحاذي الجحفة، وبعضهم قال: تحاذي يَلَمْلَم.

ولكن ما معنى المحاذاة؟

معنى المحاذاة هو سبب الإشكال في هذه المسأل؛ فبعض الناس يظن أن معنى المحاذاة: هو أن يضع نقاطًا، يضع المواقيت على الخريطة ثم يوصل بينها بخطٍّ، يقول: هذه محاذيةٌ لهذه، هذا غير صحيحٍ.

معنى المحاذاة عند المحققين: أن تكون المسافة ما بين المحاذِي ومكة هي نفس المسافة ما بين الميقات ومكة، هذا معنى المحاذاة؛ فمثلًا: السيل، تكون المسافة ما بين السيل والكعبة نفس المسافة للنقطة التي تحاذيها، مثل ذات عِرقٍ، تجد أنه نفس المسافة ما بين ذات عرقٍ والكعبة، إذا أخذت النقطة -نقطة الميقات- فعن يمينها وعن يسارها هذه تعتبر محاذيةً؛ ولذلك لو مددت خطًّا من الميقات إلى الكعبة، مددت خطًّا من هذه النقاط إلى الكعبة؛ تجد أن المسافة متساويةٌ ومتقاربةٌ، هذا هو معنى المحاذاة، ليس بالضرورة أنك مثلا تُحرم من السيل، تُحرم مما يحاذي عن يمينها أو عن يسارها، لا بأس، هذا معنى المحاذاة.

إذا طبقنا هذا المعنى على مدينة جدة؛ فإنا نجد أن جدة داخل المواقيت، هذا المعنى وهذا التفسير والمحاذاة لا ينطبق على جدة، فتجد أن جدة هي أقرب إلى مكة من الجحفة، وأقرب إلى مكة من يلملم، وأقرب إلى مكة من هذه المواقيت التي قيل: إنها محاذيةٌ لها، ومما يدل على ذلك أنك لو أتيت بالطائرة من أي جهةٍ من الجهات ما عدا جهة الغرب، لو أتيت من جهة الشرق، أو من جهة الشمال، أو من جهة الجنوب، أو الشمال الشرقي، أو الشمال الغربي، أو الجنوب الغربي، جميع الجهات لا بد أن تحاذي أحد المواقيت، فكيف تكون جدة ميقاتًا؟ إلا في حالةٍ واحدةٍ ذكرها الفقهاء، وهي: من أتى من بلدة "سواكن" بالسودان من جهة الغرب، يقولون: إنه يصل إلى جدة من غير أن يحاذي أيًّا من المواقيت، فله أن يحرم من جدة، أهل سواكن السودان يجوز لهم الإحرام من جدة؛ لأنهم يصلون إلى جدة من غير محاذاة أيٍّ من المواقيت، وأما من عداهم فلا بد من محاذاة أحد المواقيت.

وعلى هذا: فالقول: إنه يجوز الإحرام من جدة، قولٌ مرجوحٌ، والصواب: أن جدة داخل المواقيت، ولا يجوز الإحرام منها إلا لمن كان من أهل "سواكن" بالسودان، وهذا القول واضحٌ لمن تأمل وتصور المسألة؛ لأنه -كما ذكرت- إذا أتيت من أي جهةٍ؛ فلا بد من أن تحاذي أحد المواقيت.

^1 ينظر بحث: توضيح المبهمات في مسألة كون جدة ميقات للدكتور عبد الله بن منصور الغفيلي.
zh