الرئيسية/مقاطع/العاقل من أخذ العدة للرحيل
|categories

العاقل من أخذ العدة للرحيل

مشاهدة من الموقع

من حكمة الله ​​​​​​​ أن جعل الأجل مُغَيَّبًا عن الإنسان؛ لأن هذا هو الذي يلائم الاختبار والامتحان الذي يعيش فيه الإنسان، وإلا لو كان الإنسان يعلم بموعد أجله؛ لربما عصى الله تعالى، حتى إذا بقيت مدةٌ على الأجل؛ تاب إلى الله وأقبل؛ فمن حكمة الله وحتى يتحقق الاختبار، ويتبين الصادق من الكاذب: أن الله سبحانه أخفى الأجل عن الإنسان، ولكن الأجل كُتب، أجل الإنسان كتب وهو في بطن أمه، إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغةً مثل ذلك، ثم يبعث الله ملكًا فيؤمر بأربع كلماتٍ، ويقال له: اكتب عمله ورزقه وأجله، وشقيٌّ أو سعيدٌ [1].

كل واحدٍ منا كُتب أجله، لا يمكن أن يتقدم عليه دقيقةً واحدةً، ولا يتأخر دقيقةً واحدةً، بل حتى ثواني، لا يمكن، وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11]، مهما أصاب الإنسان من الأمراض ومن الشدائد، وقل ما شئت، لا يمكن أن يتقدم الإنسان على الأجل الذي كتبه الله له، ولا يتأخر أيضًا عن الأجل الذي كتبه الله له؛ فالأجل مكتوبٌ، وقد غُيِّب عن الإنسان، وما دام هذا الأجل مغيبًا؛ فإن الإنسان لا يعلم متى يفجؤه، ربما يصبح صحيحًا معافًى ويمسي مع الأموات، كم من إنسانٍ أصبح صحيحًا معافًى لم يخطر بباله الموت ولو بنسبة (1%)، وبغته الموت فجأةً فأمسى مع الأموات.

فالعاقل ينبغي أن يستعد لذلك، وألا يلهيه طول الأمل، وأن يعتبر؛ فإن الموت يأخذ الشباب أكثر من كبار السن، وقد أشار إلى هذا بعض أهل العلم، إلى أن من يموت في الشباب أكثر ممن يموت من كبار السن، وخذ هذا بالمقارنة بين أعداد الشباب وكبار السن في كل عصرٍ ومصرٍ، خذها بالنسبة والتناسب؛ تجد أن الشباب أكثر؛ وهذا يدل على أن الموت في الشباب أكثر؛ لأنه لا يبقى من كبار السن إلا أقل من هذه الأعداد الكبيرة من الشباب؛ ولذلك قال ابن الجوزي في “صيد الخاطر”: “أقل من يموت الأشياخ؛ وأكثر من يموت من الشبان” [2]، وهذا يستدعي من الشاب الحذر، وألا يُعَول على طول الأمل.

كتب رجلٌ من الحكماء إلى أخٍ له شابٍّ: أما بعد، فإني رأيت أكثر من يموت الشباب، وآية ذلك: أن الشيوخ قليلٌ.

فلو أخذتها بالنسبة والتناسب؛ تجد أن الموت في الشباب أكثر، بخلاف ما يتبادر للذهن أن الموت في كبار السن أكثر، بالعكس الموت في الشباب أكثر، بدليل أن نسبة كبار السن أقل من نسبة الشباب؛ معنى ذلك: أن الموت في الشباب أكثر، وأن من يصل إلى الستين قليلٌ، ومن يصل إلى السبعين أقل، ومن يصل إلى الثمانين أقل، وهكذا؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك [3].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 3208، ومسلم: 2643.
^2 صيد الخاطر: (ص 206)، ط دار القلم.
^3 رواه الترمذي: 3550، وابن ماجه: 4236، وقال الترمذي: حديث حسن غريب.
مواد ذات صلة