قال: حدثنا محمد بن عبدالرحمن بن سهمٍ، قال: حدثنا عبدالله بن المبارك، قال: أخبرنا مالك بن أنسٍ، ح، قال: وحدثني هارون بن سعيدٍ الأيلي -واللفظ له- قال: حدثنا عبدالله بن وهبٍ، قال: حدثني مالك بن أنسٍ، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي سعيدٍ الخدري أن النبي قال: إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى -يا رب- وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أُحِلُّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا [1].
نعم، هذا بعدما يستقر أهل الجنة في الجنة؛ ينادي الرب أهل الجنة ويقول: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى -يا رب- وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول الله: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟، كل نعيمٍ حصَّلوه، فأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا؛ وهذا يدل على أن الخير والفضل والاغتباط إنما هو في رضا الله ، وكل شيءٍ سواه وإن اختلفت أنواعه فهو من أثره، كل شيءٍ سوى رضا الله فهو من أثر رضا الله؛ ولذلك الغاية التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم: أن يرضى الله عنه، إذا رضي الله عن الإنسان؛ تأتيه ألوان النعيم والسعادة، وكل شيءٍ يتنعم به الإنسان هو من آثار رضا الله .
ولذلك ينبغي أن تكون غاية مُنى العبد هو أن يرضى الله عنه؛ ولهذا ينادي الرب أهل الجنة، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدًا من خلقك، فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟، يعني: أفضل من نعيم الجنة الذي أنتم فيه، ما هو؟ قال: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبدًا، وهذا يدل على أن نعيم رضا الله على العبد أعظم من نعيم الجنة نفسه، يعني: كون الإنسان يتنعم في الجنة بالمآكل والمشارب والمناكح وكل شيءٍ، هناك نعيمٌ أعظم، وهو رضا الله .
ثم يأتي نعيمٌ أعظم من هذا، وهو النظر إلى وجه الرب ؛ ولذلك قال: فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم [2].