كان النبي يقوم كثيرًا من الليل، يقوم كما قال سبحانه: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ [المزمل:20]، يعني: قريبًا من ثلثي الليل، ونصف الليل، وثلث الليل، وهذا وقتٌ طويلٌ، ثلثا الليل في ليالي الشتاء يعادل تقريبًا سبع ساعاتٍ، قرابة سبع ساعاتٍ والنبي عليه الصلاة والسلام يصلي؛ ولذلك تفطرت قدماه، تشققت قدماه من طول القيام، فكان يقوم حتى تتفطر قدماه في الرواية الأولى من حديث المغيرة قال: “حتى انتفخت قدماه” [1]، وفي الرواية الثانية قال: “حتى ورمت قدماه” [2]، وفي الرواية الثالثة قال: “حتى تَفَطَّر رجلاه” [3]، وكلها بمعنًى واحدٍ، يعني: أنه ورمت قدماه من طول القيام.
كما ذكرنا أنه أحيانًا يقوم قرابة سبع ساعاتٍ، وهو قائمٌ يصلي، وصلى معه حذيفة بن اليمان صلاة الليل مرةً، قال: فافتتح بالبقرة -يعني: بعدما قرأ الفاتحة افتتح بالبقرة- فقلت: يركع عند المئة، فأتم فقلت: يكمل سورة البقرة، فافتتح بالنساء وقرأها كاملةً، ثم افتتح بآل عمران [4] –لاحِظوا أنه قدَّم النساء على آل عمران؛ هذا يدل على أن الترتيب بين السور ليس واجبًا- قرأ سورة البقرة وآل عمران والنساء في ركعةٍ واحدةٍ، ثم ركع فكان ركوعه قريبًا من قيامه، ثم سجد فكان سجوده قريبًا من ركوعه، سبحان الله! انظر لطول صلاة النبي عليه الصلاة والسلام.
وصلى معه مرةً ابن مسعودٍ قال: وصلى بي النبي ، فأطال القيام حتى هممت بأمرٍ سوءٍ، قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أدعه وأذهب [5]، أطال النبي عليه الصلاة والسلام.
وصلى معه كذلك ابن عباسٍ رضي الله عنهما، فكان عليه الصلاة والسلام يطيل الصلاة، وتسأله أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وتقول: يا رسول الله، لم تصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فيقول: أفلا أكون عبدًا شكورًا [6].