اختلف العلماء في الحكمة من التحنيك؛ لأن هذا طفلٌ رضيعٌ إنـما يتغذَّى باللبن، فما الحكمة من تحنيكه بالتمر؟
قال الحافظ ابن حجرٍ رحمه الله: “إن الحكمة: ليتمرَّن على الأكل ويقوى عليه”[1]، وتعقَّبه العيني، والعيني كثيرًا ما يتعقب الحافظ ابن حجرٍ، وهما من الأقران، والأقران لا يؤخذ بكلام بعضهم في بعضٍ، يعني: حتى وإن كانوا علماء؛ لأنه يحصل بينهم ما يحصل بين البشر، فالعيني تعقب ابن حجرٍ، وقال: “قال بعضهم”، والعيني إذا قال: “قال بعضهم”؛ فيريد بذلك غالبًا الحافظ ابن حجرٍ.
نقل العيني مقولة الحافظ ابن حجرٍ ثم قال: “سبحان الله! ما أبرد هذا الكلام، وأين وقت الأكل من وقت التحنيك -وهو حين يولد- والأكل غالبًا بعد سنتين أو أكثر؟!”[2]، ثم قال العيني: “إن الحكمة: هي أن يُتفاءل له بالإيـمان؛ لأن التمرة ثـمرة الشجرة التي شبهها النبي بالمؤمن [3]”.
وأيضًا كلام العيني بعيدٌ، هو استبعد كلام ابن حجرٍ، وأيضًا نحن نستبعد كلام العيني، فسبحان الله! انتقد ابن حجرٍ فوجد من ينتقده بعده.
وذكر بعض من كتب في الإعجاز العلمي في السُّنة: أن الحكمة -والله أعلم- هي أن المولود حديثًا يكون (الجلوكوز) لديه منخفضًا، فإذا حُنِّك بتمرٍ؛ ارتفعت لديه نسبة (الجلوكوز)، وكان هذا مفيدًا لصحته، وكتبوا في ذلك كتاباتٍ مطوَّلةً، وبيَّنوا هذا من الناحية الطبية، وأن في هذا إعجازًا نبويًّا، فالله تعالى أعلم.
فيظهر -والله أعلم- أن التحنيك له فائدةٌ صحيةٌ للطفل، لكن مع ذلك نؤكد: أنه عند تحنيك الطفل؛ فلا بد أن يفعل ذلك التحنيك بالطريقة الآمنة، حتى لا يشرق الطفل، فيؤخذ شيءٌ يسيرٌ من التمر ويوضع في فم هذا الطفل مـمن يُحسِن ذلك؛ حتى لا يَشْرَق الطفل بـهذا، فلا يتسبب في الإضرار به.
وأيضًا يُشترط شرطٌ آخر: وهو أمنُ انتقالِ العدوى؛ بألا يكون من يفعل ذلك به أمراضٌ، أما إذا كان به أمراضٌ، أو يُشك أن فيه أمراضًا؛ فلا يفعل هذا، لكن إذا تحققت فيه الشروط؛ بأن كان سليمًا من الأمراض، وأيضًا فعله بطريقةٍ آمنةٍ، فهذا التحنيك سُنةٌ، تُـحنِّكه أمه أو أبوه ونحو ذلك، فهو سنةٌ من السنن، كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها، وكان أيضًا الصحابة يفعلونـها مع صبيانـهم.
