الرئيسية/مقاطع/هل الانكشاف اليسير للعورة يبطل الصلاة؟
|categories

هل الانكشاف اليسير للعورة يبطل الصلاة؟

مشاهدة من الموقع

القول الراجح هو القول الذي قرره المؤلف[1]، وهو المذهب عند الحنابلة: أن الانكشاف اليسير غير مبطلٍ للصلاة مطلقًا، ولو في الزمن الطويل، ولو كان طيلة الصلاة؛ لِمَا جاء في “صحيح البخاري” عن عمرو بن سلمة  أن النبي قال له ولمن معه: إذا حَضَرَت الصلاة؛ فليؤذن لكم أحدكم، وليؤمَّكم أكثركم قرآنًا، فلما حضرت الصلاة؛ نظروا -وكانوا وقَّافين عند كلام الله وكلام رسوله – فلم يكن أحدهم أكثر قرآنًا مني -يقول عمرو بن سلمة- لِمَا كنت أتلقَّى الركبان -كان يتلقَّى الركبان فيستمع ويحفظ- قال: فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ستٍّ أو سبع سنين -يعني كان صبيًّا مـميِّزًا- وكانت عليَّ بردةٌ كنت إذا سجدت تقلصت عني، فقالت امرأةٌ من الحي -يعني من النساء اللاتي يصلين خلف الرجال- ألا تغطُّون عنا اسْتَ قارئكم -وفي روايةٍ: عورة قارئكم [2]- يعني: هذا الإمام تخرج عورته إذا سجد، فقالت: غطوا عنا عورة قارئكم، قال: فاشتَرَوا لي قميصًا عُمَانيًّا، فما فرحت بشيءٍ فرحي بذلك القميص [3]، أخرجه البخاري في “صحيحه”.

سبحان الله! صبيٌّ كان يحفظ من الركبان، فكان أحفظهم قرآنًا فقدموه، ما عنده إلا هذه البردة التي تتقلص عنه إذا سجد، امرأةٌ قالت: وارُوا عنَّا عورة قارئكم؛ لأنه كان النساء يصلين خلف الرجال مباشرةً، لم يكن هناك سواتر، فكان النساء يصلين خلف الرجال، فالنساء ربما رأين هذا الصبي وهو يسجد وينكشف جزءٌ من عورته، فاشتروا له هذا القميص، ففرح به فرحًا عظيمًا. 

الشاهد: أن عمرو بن سلمة  كان يصلي بقومه في عهد النبي ، وقد انكشف جزءٌ من عورته؛ ولهذا قالت المرأة: “غطوا عنا عورة قارئكم”، ولـم ينقل أن النبي أنكر عليه، وأمره بإعادة الصلاة، ما كان النبي عليه الصلاة والسلام يُقرِّه؛ يعتبر حجةً؛ ولهذا قال جابرٌ : “كنا نَعزل والقرآن ينزل” [4].

قد يقال: إن عمرو بن سلمة كان صبيًّا مـميِّزًا، وعورة الصبي ليست كعورة الكبير كما سبق، فربما يكون هذا الانكشاف في القدر الذي تسامحوا فيه في عورة الصبي، لكن الإجابة عن ذلك: أن الغرض من ذكر هذه القصة: هو بيان أن هذا الانكشاف كان شائعًا عندهم؛ لأن غالب الصحابة فقراء، وغالب ثيابـهم لا تخلو من خُروقٍ أو فُتوقٍ، والاحتراز من ذلك صعبٌ؛ فيعفى عنه كما يعفى عن اليسير من النجاسة، ويسير الحرير، ونحو ذلك، هذا هو القول الراجح، وهو العفو عن يسير ما انكشف من العورة.

يبقى النظر: حد اليسير: المرجع في ذلك إلى العرف، ما لا يفحُش في النظر، والكثير: ما فحُش في النظر، والمرجع في ذلك إلى العرف والعادة، الناس في عرفهم وعادتـهم يقولون: هذا كثيرٌ، ويقولون: هذا قليلٌ، لو أتى مثلًا خمسة أشخاصٍ، قال ثلاثةٌ أو أربعةٌ منهم: هذا كثيرٌ؛ إذنْ يعتبر كثيرًا، حتى لو لـم يُجمِعوا، قال مثلًا ثلاثةٌ أو أربعةٌ منهم: هذا يسيرٌ؛ يعتبر يسيرًا، حتى لو لـم يجمعوا، فما يراه الأغلبية فهو الذي يدل على العرف.

قد يُحتاج لهذه المسألة في الوقت الحاضر، للمحرم للحج أو العمرة، فأحيانًا يَنزل الإزار أسفل السرة ويرتفع الرداء؛ فينكشف جزءٌ يسيرٌ من العورة، فهذا الانكشاف لا يضر -على القول الراجح- لأنه انكشافٌ يسيرٌ، حتى لو كان هذا الانكشاف طيلة الصلاة، فالانكشاف اليسير حتى وإن كان في الزمن الطويل لا يضر على القول الراجح.

أما بالنسبة للانكشاف الكثير في الزمن اليسير؛ كمحرمٍ مثلًا كان يصلي، ثم سقط إزاره فانكشفت العورة المغلظة، لكن بسرعةٍ أخذ الإزار وستر عورته مثلًا، هذه صورة المسألة، هذا انكشافٌ كثيرٌ في زمنٍ يسيرٍ، فهو محل خلافٍ كالخلاف السابق.

والقول الراجح: أنه لا يؤثر على صحة الصلاة، وأن الصلاة معه صحيحةٌ، وهو قول جمهور الحنفية والشافعية والحنابلة، قياسًا على الانكشاف اليسير للعورة، فكما أن الانكشاف اليسير في الزمن الطويل لا يبطل الصلاة؛ فكذلك الانكشاف الكثير في الزمن اليسير لا يبطل الصلاة؛ بجامع أن كلًّا منهما يشق التحرُّز منه، ولأنه انكشافٌ عارضٌ حصل رغمًا عن الإنسان بلا تقصيرٍ منه؛ فيعفى عنه، وقد مثَّل المؤلف بأن تكشفه الريح مثلًا، وكما ذكرنا في المـحرِم الذي يسقط إزاره ثم يرفعه مباشرةً، فصلاته صحيحةٌ.

فنخلص من هذا إلى أن ستر العورة شرطٌ، لكن يعفى عن الانكشاف اليسير وإن طال، ويعفى كذلك عن الانكشاف الكثير في الزمن اليسير.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 دليل الطالب مرعي الكرمي: (ص 39)، ط دار طيبة.
^2 رواه أبو داود: 585.
^3 رواه البخاري: 4302.
^4 رواه البخاري: 5208، ومسلم: 1440.
مواد ذات صلة