أما من يكذب، فظاهر الأدلة: أن هذا من كبائر الذنوب؛ لأنه عليه الصلاة والسلام يقول: مِن أَفْرَى الفِرَى: أن يري الإنسان عينَه ما لـم تر [1]، وقال: من تَـحَلَّم بحُلمٍ وهو كاذبٌ؛ كُلِّف أن يعقد بين شعيرتين، وليس بفاعلٍ [2]، وهذا وعيدٌ شديدٌ لا يكون إلا على كبيرةٍ، وكما جاء في الحديث: أن الرؤيا جزءٌ من ستةٍ وأربعين جزءًا من النبوة [3]؛ فينبغي أن يُـحذَّر الناس من الكذب في الرؤيا.
وكذلك أيضًا -وإن كان هذا أقل في الإثـم- أن يأتي برؤيا يدعي أنه هو الذي رآها، والذي رآها غيره، يكون قد كذب بـهذا؛ لأن معرفة حال الرائي مؤثرةٌ في التعبير، معرفة حال الرائي لا بد للمعبِّـر أن يعرف حال الرائي، ومدى صلاحه، ومدى استقامته، وظروفه وحالته، هذه كلها لها ارتباطٌ بتعبير الرؤيا، يعني الرؤيا بمثابة..، المعبِّـر عندما يعبِّـر رؤيا، كأنه يقوم بدراسةٍ للفظ الرؤيا، والمقصود منها، وفك رموزها، وحالة هذا الرائي، وما مآلات هذا التعبير، هذه أنا أشبهها بالفتيا في مسائل الطلاق، والفتيا في مسائل الطلاق تحتاج لدراسةٍ، لا يـمكن أن يُفتَى في مسائل الطلاق بفتوى عابرةٍ، أو إنسانٌ يتصل يقول: حصل كذا وكذا، ثم يُفتَى في مسائل الطلاق، تحتاج لدراسةٍ: معرفة لفظ المطلق، وقصده ونيته، وحالته النفسية، ودرجة غضبه، وحالة المرأة، والقرائن والسياق؛ هكذا أيضًا في تعبير الرؤيا.
المعبِّـر الحاذق لا بد أن يدرس الرؤيا دراسةً كاملةً، لكن إذا كان عنده حذقٌ، ستكون الدراسة في وقتٍ وجيزٍ، يعرف الألفاظ الواردة في الرؤيا، وأيضًا التعبيرات المـحتملة لها، أيضًا حالة الرائي، ما احتفَّ بـها من قرائن، السياق، كل هذه مؤثرةٌ في التعبير، ومع ذلك قد يجتهد وقد يخطئ، إذا كان أبو بكرٍ الصديق أخطأ؛ فما بالك بغيره؟!