logo
الرئيسية/مقاطع/انتقال العمل من ديوان السر إلى ديوان العلانية

انتقال العمل من ديوان السر إلى ديوان العلانية

مشاهدة من الموقع

معرفة ما يفسد الأعمال حال وقوعها، وما يبطلها بعد وقوعها، هذا أمرٌ مهمٌّ جدًّا، وهذا من الفقه العظيم الذي ينبغي أن يحرص عليه المسلم؛ فإن بعض الناس يعتري عمله ما يعتريه حال أدائه أو بعد أدائه، وربما يكون هذا الذي يعتريه مبطلًا له، أو على الأقل إذا لـم يكن مبطلًا له منقصًا لأجره، ومن ذلك: أن يَنقل العمل من ديوان السر إلى ديوان العلانية؛ فإن الأصل في العمل أنه إذا كان سرًّا بين العبد وبين ربه؛ كان أعظم أجرًا وثوابًا؛ كما قال الله تعالى: إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [البقرة:271]، إلا إذا ترتب على الإعلان مصلحةٌ؛ كأن يُقتدى به مثلًا؛ فيكون الإعلان أفضل، وإلا فالأصل أن الإسرار بالطاعة أفضل من الإعلان بـها.

ولذلك ينبغي أن يحرص المسلم على إخفاء أعماله الصالحة ما أمكن، إذا لـم يكن في إعلانـها مصلحةٌ؛ فيخفيها ولا يتحدث بـها؛ لأن التحدث بـها ينقص من أجرها، وينقلها من ديوان السر إلى ديوان العلانية، وهذا ينقص من الأجر والثواب.

وقد ذكر العلماء أن العمل الصالح يحتاج إلى ثلاثة أنواعٍ من الصبر بعده، الصبر حين أداء العمل هذا معروفٌ، لكن يحتاج بعده إلى ثلاثة أنواعٍ من الصبر: 

  • الأول: أن يصبِّـر نفسه عن الإتيان بـما يبطله؛ كالمن والأذى بالصدقة؛ فإن المن والأذى يبطل الصدقة ولو بعد حينٍ؛ كما قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى [البقرة:264]، وربما الذي يتصدق يتصدق مخلصًا النية لله، ثم بعد حينٍ، وربما بعد مدةٍ طويلةٍ يـمتن على ذلك الفقير، أو يؤذيه بكلماتٍ جارحةٍ أو مؤذيةٍ، فيبطل أجر الصدقة تـمامًا، مع أن هذا إنـما طرأ بعد العمل، لكنه مبطلٌ لأجره وثوابه. 
  • ثانيًا: أن يصبِّـر نفسه عن تعظيم ذلك العمل والعجب به؛ فإن العجب بالعمل وتعظيمه مـما يؤثر على قبوله؛ ولهذا من علامة قبول العمل: أن المسلم يستقله ولا يستكثره، ومن علامة رده: أن الإنسان يعجب به ويعظمه.
  • ثالثًا: أن يصبِّـر نفسه عن نقل العمل الصالح من ديوان السر إلى ديوان العلانية.

هو يحتاج إلى هذه الأنواع الثلاثة من الصبر بعد العمل الصالح:

  1. أن يصبِّـر نفسه عن الإتيان بـما يبطله.
  2. وأن يصبر نفسه أن يصبِّـر نفسه عن العجب به والتعظيم.
  3. وأن يصبِّـر نفسه عن نقل العمل الصالح من ديون السر إلى ديوان العلانية.

ولهذا يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ليس الشأن في الإتيان بالطاعة؛ وإنـما الشأن في حفظها عما يبطلها أو ينقص من أجرها، وهذا فقهٌ دقيقٌ؛ ليس الشأن في الإتيان بالطاعة؛ إنـما الشأن في حفظها عما يبطلها، أو ينقص من أجرها[1].

فينبغي للمسلم أن يتنبه لهذه الدقائق؛ فإنـها مؤثرةٌ على قبول العمل.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 قال رحمه الله: “وليس الشأن في العمل، إنما الشأن ‌في ‌حفظ ‌العمل ‌مما ‌يفسده ويحبطه” الوابل الصيب: (ص 20)، ط عطاءات العلم.
مواد ذات صلة
zh