logo
الرئيسية/مقاطع/فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

فضائل زينب بنت جحش رضي الله عنها

مشاهدة من الموقع

قال: بابٌ من فضائل زينب أم المؤمنين رضي الله عنها[1].

وزينب هي زينب بنت جحشٍ الأسدية رضي الله عنها، هي أم المؤمنين، زوج النبي ، وأمها عمة النبي ، وكانت زوجةً لزيد بن حارثة ، وكان زيدٌ مولى النبي عليه الصلاة والسلام فأعتقه، وكانت زينب قرشيةً من أكابر وأشراف قريشٍ، فلم تستقم حياتـها مع زيدٍ فطلقها؛ كما قال الله تعالى: فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37].

لـمَّا طلقها زيدٌ ؛ زوجها الله نبيه ؛ وذلك لإبطال ما كان يعتقده الناس من التبني، وقد أبطل الإسلام التبني، قال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5]، وكانوا يدعون زيدًا: زيد بن محمدٍ، فقال الله تعالى: ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ [الأحزاب:5]، فأصبح يُدعى زيد بن حارثة، وكان الناس يكرهون أن يتزوج الإنسان زوجة ابنه بالتبني، فأبطل الله ذلك وزوج الله نبيه زوجة زيد بن حارثة، وهي زينب.

الذي زوَّج النبي زينب بنت جحشٍ هو الله ​​​​​​​، في قوله: زَوَّجْنَاكَهَا [الأحزاب:37]، وهذه مَنقَبةٌ عظيمةٌ جدًّا لزينب رضي الله عنها، وكانت تفتخر على زوجات النبي عليه الصلاة والسلام وتقول: “أنكْحَكُنَّ أولياؤكنَّ، والله أنكحني نبيه من فوق سبع سـماوات” [2]، فهي منقبةٌ عظيمةٌ لزينب رضي الله عنها: أن الله تعالى زوَّجها نبيه ، وذكر ذلك في كتابه فقال: زَوَّجْنَاكَهَا، وهذا اللفظ هو أحسن لفظٍ يعقد به النكاح، أن يقول الولي للزوج: زوجتك ابنتي مثلًا، أو زوجتك أختي فلانة؛ لأن الله تعالى قال لنبيه : زَوَّجْنَاكَهَا، فالله تعالى هو الذي زوج نبيه محمدًا هذه المرأة زينب بنت جحش رضي الله عنها.

وكانت زينب بنت جحشٍ رضي الله عنها صنَّاعةً باليد -يعني ذات صنعةٍ- فكانت تَدبَغ وتَـخْرِز، ويحصل لها أموالٌ، فكانت تتصدق، كثيرة الصدقة، معروفةً بكثرة الصدقة، وهناك زوجةٌ أخرى تسمَّى: زينب، وهي أيضًا إحدى أمهات المؤمنين، زوجة النبي عليه الصلاة والسلام: هي زينب بنت خزيـمة الهلالية، وتُدعى: أم المساكين؛ لحُنوِّها على المساكين، تزوجها النبي سنة ثلاثٍ من الهجرة، ولـم تلبث معه سوى شهرٍ أو شهرين ثم توفيت. 

قال المصنف رحمه الله تعالى: حدثنا محمود بن غَيلان أبو أحمد، حدثنا الفضل بن موسى السِّيناني، أخبرنا طلحة بن يحيى بن طلحة، عن عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين قالت: قال رسول الله : أسرعُكنَّ لَـحَاقًا بي: أطولُكنَّ يدًا، قالت: فكنَّ يتطاولن أيتهن أطول يدًا، قالت: فكانت أطولنا يدًا زينب؛ لأنـها كانت تعمل بيدها وتصدَّق” [3].

جاءت الرواية عند البخاري مفصَّلةً؛ وذلك أن أزواج النبي عليه الصلاة والسلام سألنه، فقلن: “يا رسول الله، أينا أسرع لحاقًا بك؟[4]، فالنبي عليه الصلاة والسلام أجاب بجوابٍ مبهمٍ، قال: أطولُكُنَّ يدًا، فأخذن قصبةً وذَرَعْنَ أيديهنَّ، أيهن أطول يدًا، فوجدن أن أطولهنَّ يدًا سودة، فكنَّ يعتقدنَ أن سودة هي أسرع أزواج النبي لحاقًا به، ثم توفيت زينب بنت جحش، وسودة لـم تـمت إلا في زمن معاوية ، توفيت بعد النبي عليه الصلاة والسلام زينب، فعرفن بأن مقصود النبي بطول اليد: كثرة الصدقة، وليس المقصود بـها طول اليد الحقيقي، فالنبي عليه الصلاة والسلام أراد كثرة الصدقة، وهن فهمن أن المقصود بطول اليد: طول اليد الحقيقية، اليد الجارحة.

وهذا يدل على فضل زينب رضي الله عنها؛ فإن النبي ذكر لها هذه المنقبة، وهي أنـها كثيرة الصدقة، وعبَّـر عن ذلك بطول اليد، والعرب تعبَّـر عن الفضل بطول اليد، ويقولون: فلانٌ طويل اليد، وطويل الباع، إذا كان سـمحًا جوادًا، ويقولون: فلانٌ قصير اليد والباع، إذا كان بخيلًا؛ فهذا فيه منقبةٌ لزينب رضي الله عنها؛ لأنها كانت كثيرة الصدقة. 

وهذا يدل على فضل الصدقة، وأن النبي ذكر هذا منقبةً لزينب، فالصدقة فضلها عظيمٌ، وأجرها كبيرٌ، والله تعالى يقول: مَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].

والصدقة تدفع البلاء عن الإنسان، وتطفئ غضب الرب، والصدقة أيضًا من أسباب نيل محبة الله ​​​​​​​، وفيها إحسانٌ للمساكين، والجزاء من جنس العمل، فإذا أحسن الإنسان لغيره؛ فإن الله تعالى يحسن إليه؛ ولهذا ورد في الأثر: داووا مرضاكم بالصدقة [5]، وهذا حديثٌ مرفوعٌ إلى النبي عليه الصلاة والسلام، من أهل العلم من حسَّنه؛ لأن الصدقة فيها إحسانٌ للمساكين، فإذا أحسنت للمساكين؛ فإن الله تعالى يحسن إليك.

ولهذا ينبغي أن يحرص المسلم على كثرة الصدقة والبذل والإنفاق في وجوه الخير والقُرَب؛ فالنبي عليه الصلاة والسلام جعل هذه المنقبة لزينب؛ لأنها كثيرة الصدقة، لكن عبَّر عن ذلك بطول اليد.

وفي هذا الحديث من الفوائد:

أن فيه علمًا من أعلام نبوَّته ، حيث أخبر بأن أسرعهنَّ لحاقًا به من أزواجه أطولهنَّ يدًا، وهي زينب، فكان الأمر كذلك.

وأيضًا: هذا يدل على فضل أن يعمل الإنسان ويحصِّل رزقًا ويتصدق منه؛ فإن زينب رضي الله عنها كانت مثل بقية أزواج النبي عليه الصلاة والسلام، لكن كانت ذات صنعةٍ باليد، فكانت تعمل بيدها وتحصِّل مالًا وتتصدَّق منه، فكانت كثرة الصدقة منقبةً لها؛ فهذا يدل على أن الإنسان ينبغي له أن يسعى لطلب الرزق، وأن يكثر من الصدقة والبذل.

لماذا لـم يصرِّح النبي بزينب، وأنـها هي أسرع أزواجه لحوقًا به؟ أزواج النبي عليه الصلاة والسلام سألنه: أينا أسرع لحاقًا بك؟ ما قال: زينب، أتى بجوابٍ مجملٍ، وفهمن خلافه، فهمن أنـها سودة، ثم تبين أنـها زينب؛ لماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام ذلك؟

قال أهل العلم: لأن السؤال إنـما كان عن آجالٍ مُقدَّرةٍ لا تُعلم إلا بالوحي، فأجابهن النبي بلفظٍ غير صريحٍ، وأحالهن على ما لا يتبيَّـن إلا بآخره، وساغ ذلك؛ لكونه ليس من الأحكام التكليفية؛ ولذلك إذا سألك إنسانٌ سؤالًا، وتريد أن تجبر بخاطره، ولا تريد أن تجيب عن هذا السؤال، فيمكن أن تجيب بجوابٍ مبهمٍ، مثل هذا الجواب، حتى وإن فهم السائل منك أمرًا آخر، ثم تبين له ما تريد فيما بعد، كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل هذا أحيانًا في الجواب عن مثل هذه الأسئلة.

زينب رضي الله عنها كانت تسامي عائشة رضي الله عنها في المنزلة، يعني: كان أحب أزواج النبي عليه الصلاة والسلام إليه عائشة، يليها زينب رضي الله عنهما، لـمَّا حصلت قصة الإفك؛ بقي النبي عليه الصلاة والسلام شهرًا لا يوحى إليه، فسأل بعض الصحابة : سأل عليًّا فقال عليٌّ: يا رسول الله، لـم يُضيِّق الله عليك، النساء غيرها كثيرٌ، وسأل أسامة بن زيدٍ فقال: يا رسول الله، هم أهلك، ولا نعلم عنهم إلا خيرًا، وسأل زينب بنت جحشٍ –زينب بنت جحشٍ هي أكبر منافسٍ لعائشة، قالت عائشة: كانت هي التي تساميني في المنزلة، يعني: كان أحب أزواج النبي عليه الصلاة والسلام إليه عائشة ثم زينب- فقالت زينب: أحـمي سـمعي وبصري، يعني: لا أتكلم، قالت عائشة: فحماها الله بالورع، الله أكبر! فحماها الله بالورع [6].

انظر إلى الورع كيف يحمي الإنسان! لا تريد زينب أن تتكلم في عائشة، مع أنـها وجدت فرصةً أن تسيء لجارتـها، أو تُقلِّل من مكانتها، لكن حماها الله بالورع فلـم تتكلم، قالت: يا رسول الله، أحمي سمعي وبصري؛ ولذلك إذا طُلب منك أن تتكلم في إنسانٍ، وأنت ليس عندك معلوماتٌ عنه صحيحةٌ ومؤكدةٌ، وتخشى أن تقع في عرضه أو تتكلم بكلامٍ باطلٍ؛ قل هذه الكلمة، قل: أحـمي سـمعي وبصري، لا تسألوني عن فلانٍ، أحمي سمعي وبصري؛ كما قالت زينب: أحمي سمعي وبصري، فحماها الله بالورع، كانت رضي الله عنها امرأةً ورعةً صالحةً كثيرة الصدقة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 صحيح مسلم: (4/ 1907)، ط دار إحياء التراث العربي.
^2 البخاري: 7420، بنحوه.
^3 رواه مسلم: 2452.
^4 رواه البخاري: 1420.
^5 رواه الطبراني: 10196، والبيهقي: 6593.
^6 رواه البخاري: 2661، ومسلم: 2770.
مواد ذات صلة
zh