logo
الرئيسية/مقاطع/حكم تمني الموت

حكم تمني الموت

مشاهدة من الموقع

قال:

“وتـمنِّـي الموت”[1].

يعني: يكره تـمنـي الموت؛ كما قال عليه الصلاة والسلام: لا يتمنَّيَنَّ أحدكم الموت لضرٍّ أصابه، فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي [2]، متفقٌ عليه.

وظاهر الحديث: التحريم، أن النهي يقتضي التحريم؛ لأن هذا هو الأصل في النهي، أنه يقتضي التحريم، وليس هناك صارفٌ يصرف هذا النهي من التحريم إلى الكراهة؛ وعلى ذلك فالراجح: أن تـمنـي الموت محرمٌ وليس مكروهًا فحسب، وإنـما هو محرمٌ، إلا في الحالات التي يجوز فيها تـمنـي الموت، كما سيأتي.

والحكمة من النهي عن تـمنـي الموت: قد جاءت الإشارة إليها في قول النبي عليه الصلاة والسلام: لا يـتمنَّ أحدكم الموت، ولا يدعو به من قبل أن يأتيه، إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، هذه هي الحكمة: أنه بالموت تنقطع الأعمال وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرًا [3]، فنُهي عن تـمنـي الموت؛ لأن الإنسان بالموت تنقطع أعماله، والمؤمن لا يزيده عمره إلا خيرًا؛ ولذلك طول العمر مع حسن العمل نعمةٌ من الله ​​​​​​​؛ لأن الإنسان تزيد عنده الأعمال الصالحة، بينما طول العمر مع سوء العمل نقمةٌ؛ لأن الإنسان تكثر ذنوبه؛ ولهذا صح عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: خيركم من طال عمره وحسن عمله؛ وشركم من طال عمره وساء عمله [4].

ثم أيضًا تـمني الموت فيه نوعٌ من الاعتراض على القضاء والقدر، والواجب على المسلم التسليم لله تعالى في قضائه وقدره.

استثنى المؤلف من هذا، قال:

“إلا لخوف فتنةٍ”.

يعني: إذا خشي الإنسان فتنةً؛ جاز له أن يتمنـى الموت؛ كما قال الله تعالى عن مريم عليها السلام: قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا [مريم:23].

مريم عليها السلام امرأةٌ صالحةٌ، صدِّيقةٌ، وحملت غلامًا من غير رجلٍ، فلـمَّا وضعته عند المخاض، لمَّا جاءها المخاض تعاني الآن آلام الولادة والمخاض، وتعاني مصيبةً أعظم، وهي الفضيحة، كيف ستُقنع الناس بأنـها أتت بولدٍ من غير رجلٍ؟! فاجتمعت عليها هذه المصائب، فقالت مقولتها هذه؛ خشية أن تحصل لها فتنةٌ، أن تفتتن؛ لأن الناس لن يصدقوها، قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ۝فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا [مريم:23-24]، الذي هو عيسى.

سبحان الله! لـمَّا وضعته أنطقه الله ​​​​​​​ مباشرةً، وجعله يتكلم ويحاور أمه، آيةٌ من آيات الله، هذه أعظم معجزةٍ في تاريخ البشرية، فجعل هذا الطفل الذي وُلد الآن يخاطب أمه، فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا ۝وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا ۝فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:24-26].

فهنا تـمنَّت مريم عليها السلام الموت؛ لأنـها خشيت من الفتنة، فإذا خشي الإنسان من الفتنة جاز له تـمني الموت، وأيضًا لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: فإن كان لا بد فاعلًا فليقل: اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي، وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي، وأيضًا جاء في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن النبي  قال: وإذا أردتَ بعبادك فتنةً، فاقبضني إليك غير مفتونٍ [5]، وهذا يدل على أنه مستثنًى من ذلك وقت الفتنة؛ فيجوز تـمني الموت فيها.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 دليل الطالب لمرعي الكرمي: (ص 65)، ط دار الطيبة.
^2 رواه البخاري: 5671، ومسلم: 2680.
^3 رواه مسلم: 2682.
^4 رواه الترمذي مختصرا: 2329، وقال: حديث حسن غريب.
^5 رواه الترمذي: 3233.
مواد ذات صلة
zh