logo
الرئيسية/مقاطع/حكم القيام عند رؤية الجنازة

حكم القيام عند رؤية الجنازة

مشاهدة من الموقع

قال:

“ويكره القيام لها”[1].

أي: يكره القيام للجنازة إذا مرت به، إذا مُرَّ بالجنازة؛ يُكره القيام، وهذا قال به الجمهور؛ لقول عليٍّ  في شأن القيام للجنازة: “قام رسول الله ثم قعد” [2]، قالوا: فالأمر بالقيام للجنازة منسوخٌ بـهذا الحديث.

وقال بعض أهل العلم: إنه يجب القيام لها -لاحظ اختلاف الأقوال؛ هذا يُكره، وهذا يجب- وهذا مرويٌّ عن بعض السلف؛ لقول النبي : إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع [3]، وهذا الحديث في “الصحيحين”، ومُرَّ بجنازةٍ فقام لها النبي ، فقيل: إنـها جنازة يهوديٍّ، قال: أليست نَفْسًا؟ [4]، وفي روايةٍ قال: إن الموت فزعٌ، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا [5].

وقال بعض أهل العلم: إنه يستحب القيام إذا رأى الجنازة، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، واختارها جمعٌ من المـحققين من أهل العلم؛ كابن تيمية[6]، وجمعٍ من أهل العلم، وهذا هو القول الراجح: أنه يستحب القيام عند رؤية الجنازة؛ وذلك لحديث أبي سعيدٍ السابق: إذا رأيتم الجنازة فقوموا، فمن تبعها فلا يقعد حتى توضع، وهذا أمرٌ، وأقل ما يفيده الأمر الاستحباب.

وأما حديث عليٍّ أن النبي قام ثم قعد، فالمراد بيان الجواز، وأنه ليس بواجبٍ، ونظير ذلك مثلًا: ما ورد من النهي عن الشرب قائمًا، ثم إن النبي شرب قائمًا [7]؛ ليبين الجواز، ونظير ذلك مثلًا: صلاة الوتر، قال: اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا [8]، ثم إنه ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان صلى ركعتين بعد الوتر [9]؛ ليبين الجواز، فأحيانًا يفعل النبي عليه الصلاة والسلام أمورًا؛ ليبين أن هذا الأمر ليس بواجبٍ. 

فالقول الراجح والله أعلم: أن القيام عند رؤية الجنازة مستحبٌّ؛ لهذا الحديث، ومـما يدل على ذلك: أن العلة التي ذكرها النبي عليه الصلاة والسلام: إن الموت فزعٌ..، أليست نفسًا؟، هذا يبعد معه جدًّا نسخ مثل هذا الحكم؛ لأن هذه العلة علةٌ تقتضي الاستمرار في هذا الحكم، فهو بعيدٌ، ثم أيضًا القول بالنسخ يحتاج معرفة المتقدم من المتأخر، وقول عليٍّ : “قام ثم قعد”، ليس بصريحٍ في النسخ، إنـما قعد النبي عليه الصلاة والسلام؛ ليبين أن هذا ليس بواجبٍ.

وعلى هذا فالقول الراجح الذي تجتمع له الأدلة: أن القيام عند رؤية الجنازة مستحبٌّ، والحكمة من ذلك: ما جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: إن الموت فزعٌ، أي: إن الموت يُفزَع منه، إشارةً لاستعظامه؛ لئلا يتمادى الإنسان في الغفلة عند رؤية الموت، يعني: كونك ترى جنازة إنسانٍ ميتٍ يُـمرُّ به، وتكون في غفلةٍ ولا تـهتم، هذا يدل على تبلُّد الإحساس عند هذا الإنسان.

إذا رأيت الجنازة؛ ينبغي أن تفزع وتقوم وتنظر لهذه الجنازة، وتعتبر وتتفكر، وأن هذه الجنازة التي حملت على الأعناق، سيكون يومًا من الأيام مصيرك مصيرها.

وهذه السنة قد غفل عنها كثيرٌ من الناس اليوم، تجد أنه يؤتى بالجنائز إلى المسجد ونحو ذلك، ويرى الناس الجنازة أمامهم ولا يقومون، وكثيرٌ منهم يجهلون هذه السنة، وبعضهم يتساهل، السنة إذا رأيت الجنازة أن تقوم، فمثلًا: في المساجد التي يُصلَّى فيها على الجنائز يوضع حاجزٌ، إذا أزيل هذا الحاجز ورأيت الجنازة؛ السنة أن تقوم عندما ترى الجنازة، أو عندما يؤتى بالجنازة، مثلًا أحيانًا يكون الإنسان في المسجد أو في المقبرة، ويؤتى بالجنازة، متى ما رأيت جنازةً؛ فالسنة أن تقوم، هذه هي السنة، وأن تعتبر.

ولهذا لـمَّا مُرَّ بجنازة يهوديٍّ؛ قام النبي عليه الصلاة والسلام، فقيل: يا رسول الله، إنـها جنازة يهوديٍّ، قال: أليست نَفْسًا؟!، إن الموت فزعٌ، فيه إشارةٌ للحكمة، أنه ينبغي للإنسان إذا رأى ميتًا؛ أن يفزع، وأن يتفكر، وأن يعتبر، وألا يكون متبلد الإحساس.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 دليل الطالب مرعي الكرمي: (ص 70)، ط دار طيبة.
^2 رواه مسلم: 962.
^3 رواه البخاري: 1310، ومسلم: 959.
^4 رواه البخاري: 1312، ومسلم: 961.
^5 رواه مسلم: 960.
^6 الفتاوى الكبرى لابن تيمية: (5/ 361)، ط دار الكتب العلمية.
^7 رواه البخاري: 5615.
^8 رواه البخاري: 998، ومسلم: 751.
^9 رواه مسلم: 738.
مواد ذات صلة
zh