logo
الرئيسية/مقاطع/هل الدّين يمنع وجوب الزكاة؟

هل الدّين يمنع وجوب الزكاة؟

مشاهدة من الموقع

قال:

ويَـمنع وجوبَـها دَينٌ ينقص النصاب[1].

كما لو كان عنده مئة ألفٍ، وحال عليها الحول، وعليه دينٌ بـمئة ألفٍ أو أكثر، فيقول المؤلف: إن هذا الدين يـمنع وجوب الزكاة، وهذا هو القول الأول في المسألة، وهو المذهب عند الحنابلة، وهو قول الجمهور.

والقول الثاني: أن الدين لا يـمنع الزكاة، وليس له أثرٌ على الزكاة، ففي المثال السابق يقولون: يجب عليه أن يزكِّي الـمئة ألفٍ التي عنده، حتى لو كان عليه دين بـمئةٍ أو أكثر، وهذا هو المذهب عند الشافعية، وروايةٌ عند الحنابلة.

القائلون بأن الدَّين يـمنع وجوب الزكاة استدلوا بعموم الأدلة؛ ومنها: حديث معاذٍ  لـمَّا بعثه النبي  إلى اليمن، وفيه: فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم [2]، قالوا: والمدين لا يَصدُق عليه في هذه الحال أنه غنيٌّ.

واستدلوا بأثر عثمان أنه كان يقول في رمضان: “هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دينٌ؛ فليؤدِّ دينه؛ حتى تحصل أموالكم، وتؤدون منها الزكاة”[3]، قالوا: وكان هذا بـمحضرٍ من الصحابة  فكان كالإجماع؛ ولأن الزكاة إنـما وجبت مواساةً للفقراء والمساكين، وشكرًا لنعمة الغِنَى، والمدين يحتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد، ولأن الإنسان إذا كان بيده مالٌ وعليه دينٌ حالٌّ بـمقدار ذلك المال؛ لـم يجب عليه الحج؛ فكذلك الزكاة.

أما القائلون بأن الدَّين لا أثر له على الزكاة فاستدلوا بعموم الأدلة الموجبة للزكاة، التي لـم تُفرِّق بين من عليه دينٌ ومن ليس عليه دينٌ.

قالوا: والنبي  كان يبعث عماله لقبض الزكوات من أرباب المواشي وأصحاب الثمار والزروع، ولـم يأمرهم بالاستفصال: هل عليهم ديونٌ أم لا؟ وهذا القول اختاره الشيخ عبدالعزيز بن بازٍ والشيخ محمد بن عثيمين رحمهما الله.

ومن العلماء من فرَّق بين الأموال الظاهرة والباطنة، هذا رأي الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله، وقال: إن الدَّين يـمنع وجوب الزكاة في الأموال الباطنة دون الظاهرة، وهو المذهب عند المالكية، واستدلوا بأدلة القول الثاني، وحملوها على الأموال الظاهرة، قالوا: ولأن الزكاة تتعلق بعين المال وإن كان لها تعلقٌ في الذمَّة، والدَّين إنـما يجب في الذمَّة لا في المال؛ فالجهة منفكَّةٌ.

وأنا كنت قديـمًا أرجح القول الثاني: وهو أن الدين لا أثر له على الزكاة، حتى تباحثت مع بعض طلبة العلم، وأعدت بحث المسألة بحثًا مُعمَّقًا، وترجَّح لي القول الأول، وهو قول الجمهور، وهو: أن الدَّين يـمنع وجوب الزكاة، أو له أثرٌ على مقدار الزكاة، وهو يـمنع وجوب الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقص منه.

فإذا كان رجل عنده مئة ألفٍ حال عليها الحول، لكن عليه دينٌ حالٌّ بـمقدار مئة ألفٍ، فهذا لا زكاة عليه، لماذا؟ لأن هذه الـمئة ألفٍ التي عنده هي في الأصل ليست له، هي مستحَقةٌ للدائن، يجب عليه شرعًا أن يسددها الآن للدائن، فكيف نوجب عليه الزكاة فيها؟! فهي في الحقيقة مستحقةٌ للدائن؛ ولهذا لو كان عنده مئة ألفٍ، وعليه مئة ألفٍ دينًا؛ لـم يجب عليه الحج، فكذلك أيضًا لا تجب عليه الزكاة، كيف نُوجب عليه الزكاة وعليه دينٌ بـمقدار هذا المال الذي عنده أو أكثر؟! الزكاة إنـما تجب على سبيل المواساة.

فالذي يظهر -والله أعلم- أن القول الراجح هو قول الجمهور: وهو أن الدين الذي على الإنسان له أثرٌ على الزكاة، بشرط أن يكون الدين حالًّا، أما الدين المؤجل فلا أثر له، وعلى ذلك أيضًا: الدين له أثرٌ حتى في إنقاص مقدار الزكاة، لو كان عندك مثلًا مائة ألف ريالٍ، وعليك دينٌ حالٌّ بـمقدار عشرة آلافٍ، فتزكي تسعين ألفًا، يعني: تخصم الـعشرة آلافٍ من الـمئة ألفٍ.

وأما قول من قال: إن الأدلة عامةٌ، فنقول: يُنظر لهذه المسألة من منطلق مجموع الأدلة، فالزكاة تجب على سبيل المواساة، هذا المال الآن الموجود هو مستحَقٌّ للدائن أصلًا، هو مستحقٌّ للدائن، فكيف نوجب فيه الزكاة وهو مستحقٌّ للدائن؟! يجب عليه شرعًا أن يؤدي هذا المال إلى الدائن، كيف نوجب فيه الزكاة؟!

فالقول الراجح إذنْ: أن الدين له أثرٌ على الزكاة، وأنه إذا كان يستغرق النصاب؛ لا زكاة عليه، إذا كان لا يستغرق النصاب؛ فإنه ينقص من مقدار الزكاة.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 دليل الطالب لمرعي الكرمي: (ص 75)، ط دار طيبة.
^2 رواه البخاري: 1395 ومسلم: 19.
^3 الأموال لأبي عبيد: (ص 534)، ط دار الفكر.
مواد ذات صلة
zh