عندنا مسألة: وقف النقود.
وقف النقود؛ كأن يكون عند الإنسان مبلغٌ مثلًا 100 ألف ريالٍ، يقول: هذه وقفٌ لإقراضها لمن احتاج إليها من المسلمين، فيستلفها فلانٌ ثم يرجعها، ثم يستلفها فلانٌ ثم يرجعها، وهكذا، فما حكم وقف النقود؟
قولان للفقهاء:
- القول الأول: أنه لا يصح، وهو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة[1].
- والقول الثاني: أنه يصح، وهو مذهب المالكية[2].
لاحِظوا أن المالكية يكونون في كثيرٍ من مسائل الوقف مقابلين للجمهور.
والإمام ابن تيمية رحمه الله ذكر أن مذهب المالكية في المعاملات أجود المذاهب الأربعة، وعلل ذلك[3].. من يذكر التعليل؟
لماذا كان مذهب المالكية أجود المذاهب الأربعة في المعاملات؟
لأن الإمام مالكًا أخذه عن سعيد بن المسيَّب، الذي يقال: إنه أفقه الناس في البيوع.
الجمهور قالوا: إنه لا يصح وقف النقود، وعللوا بأنه لا ينتفع بـها إلا بإنفاقها، وأن النقود أيضًا لا تتعيـن بالتعيين.
القول الثاني: أنه يصح وقف النقود، وهو مذهب المالكية، وروايةٌ عند الحنابلة، وهو القول الراجح؛ لأن تحبيس الأصل يكفي فيه معناه، وهذا متحققٌ في وقف النقود.
والنقود أيضًا لا تتعيـن بالتعيين، خاصةً في وقتنا الحاضر، يعني: قديـمًا كانت النقود الدراهم والدنانير، تأتي مسألة: هل تتعيـن أو لا تتعيـن؟ أما في وقتنا الحاضر أصبحت أوراقًا نقديةً متساويةً، الـ 100 ريالٍ التي عندي هي مثل الـ 100 ريالٍ التي عندك تـمامًا، ففي وقتنا الحاضر نقول: النقود لا تتعيـن بالتعيين؛ لأن التي عندي هي التي عندك، هي التي في البنك، هي نفسها.
فالقول الراجح إذنْ: أنه يصح وقف النقود، ولا مانع من ذلك.
والقول بصحة وقف النقود يـمكن أن تؤخذ منه أفكارٌ لنفع المسلمين، من ذلك: أن تؤسس جمعياتٌ خيريةٌ لإقراض المـحتاجين، مثلًا: هذه الجمعية يكون فيها مبالغ نقديةٌ موقوفةٌ لإقراض المـحتاجين، وتوضع آليةٌ لضمان السداد، فهذا المبلغ يُقرَض فلانًا ثم يُرجعه، ثم يُقرَض فلانًا ثم يُرجعه، ويبقى هكذا، ويكون هذا المبلغ وقفًا، أو مثلًا: لمساعدة الراغبين في الزواج مثلًا، أو لغير ذلك، المهم: أن وقف النقود -على القول الراجح- يصح.
لو أن رجلًا أيضًا قال: بدل أن أُوقف عقارًا؛ أنا أوقف لي مبلغًا نقديًّا، فمثلًا: أوقف 100 ألف ريالٍ، قال: هذه وقفٌ لله تعالى، فينبغي للناظر أن يستثمرها ويصرف رَيعها في مصارف الوقف، لكن الـ 100 ألفٍ تبقى، يبقى هذا الأصل يُستثمر ويُتاجر به، وما يأتي من أرباحٍ يُصرف في مصارف الوقف.
فعلى القول الراجح: أن هذا يصح، ما المانع من هذا؟ فإذنْ القول الراجح: هو صحة وقف النقود.