وأيضًا في هذا الحديث: الاستعاذة بالله تعالى من الكسل.
والمراد بذلك: الكسل عن أمور العبادة، والأمور التي تقرب إلى الله ؛ فإن بعض الناس عنده كسلٌ، يَكسَل عن الصلاة، يكسل عن الذكر، يكسل عن تلاوة القرآن، يكسل عن أمور الخير والطاعة، فهذا الكسل كسلٌ مذمومٌ.
فكان النبي يستعيذ بالله من الكسل، ينبغي للمسلم أن يكون نشيطًا، بعيدًا عن الكسل، نشيطًا في العبادة، مبادرًا مسارعًا في الخيرات.
جاء في حديث أبي هريرة -كما عند مسلمٍ- أن النبي قال يومًا للصحابة : من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ -يعني صيام التطوع- قال أبو بكرٍ: أنا يا رسول الله، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينًا؟، قال أبو بكرٍ: أنا يا رسول الله، قال: من عاد منكم اليوم مريضًا؟، قال أبو بكرٍ: أنا يا رسول الله، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازةً؟، قال أبو بكرٍ: أنا يا رسول الله، فقال النبي : والذي نفسي بيده ما اجتمعن في امرئٍ إلا دخل الجنة [1].
فانظروا كيف أن أبا بكرٍ الصديق جمع في يومٍ واحدٍ هذه الأعمال الصالحة العظيمة: أصبح صائمًا صيام تطوعٍ، أطعم مسكينًا، عاد مريضًا، تبع جنازةً، وربـما له أعمالٌ صالحةٌ أخرى، كل ذلك في يومٍ واحدٍ، وسبق الصحابة، يعني: في كل مرةٍ يقول: أنا يا رسول الله، ما أحدٌ سبقه، لـم يسبقه أحدٌ إلى ذلك؛ فهذا يدل على المبادرة، وأن المسلم ينبغي أن يكون مبادرًا لأمور الخير والطاعة، لا ينتظر من أحدٍ أن يذكِّره أو أن يقول له: افعل كذا، يبادر للصلاة، يذهب للمسجد من حين أن يؤذن المؤذن، كل يومٍ يقرأ من كتاب الله ما تيسر من القرآن، يكون له وِرْدٌ من القرآن، يكون له وردٌ من الأذكار؛ من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة والصلاة على النبي ، يكون له أيضًا نصيبٌ من صدقة التطوُّع بعد أداء الزكاة، يكون له نصيبٌ من صيام النافلة بعد أداء الصيام الواجب، وهكذا يكون مبادرًا للخيرات.
أما الإنسان الذي ليس عنده مبادرةٌ؛ يغلب عليه الكسل، يكون كسولًا، ربـما لا يأتي إلا بالفرائض فقط، وحتى الفرائض يَكسَل عنها، والله ذكر الكسل في الصلاة من صفات المنافقين، قال: وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى [التوبة:54]، فالذي لا يأتي الصلاة إلا وهو كسلان يتشبه بالمنافقين؛ ولهذا كان النبي يستعيذ بالله من الكسل، يقول: اللهم إني أعوذ بك من الكسل [2].
