logo
الرئيسية/مقاطع/معنى قوله تعالى: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}

معنى قوله تعالى: {وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون}

مشاهدة من الموقع

هذه الدنيا جعلها الله تعالى دار امتحانٍ واختبارٍ وابتلاءٍ؛ كما قال سبحانه: وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20]، وهذا عامٌّ في جميع الخلق، وكما ذكر ابن القيم هنا أمثلةً، قال: امتَحن الرسل بالمرسَل إليهم، هل يُبلِّغونـهم؟ وهل يقومون بواجب الأداء وإقامة الحجة والصبر على أذاهم؟ وامتَحن المرسَل إليهم بالرسل، هل يطيعونـهم؟ وامتحن العلماء بالجهال هل يعلمونـهم ويصبرون على تعليمهم، ويقومون بواجب الدعوة إلى الله تعالى؟ وامتحن الجُهَّال بالعلماء: هل يطيعونـهم ويهتدون بـهم؟ وامتحن الملوك بالرعية، وامتحن الرعية بالملوك، وكما ورد: كما تكونون يولَّ عليكم [1].

وامتحن الأغنياء بالفقراء هذا الفقير الذي يأتي ويسأل الغني هذا امتحانٌ له هل يساعده؟ هل يعطيه؟ هل يقف معه؟ هل يتلطَّف معه في العبارة؟

وامتحن الفقراء بالأغنياء: أيضًا الفقير أنت تسأل الغني ماله، ينبغي أيضًا أن تتأدب معه، وألا تسأل إلا عند الضرورة، فهو نوعٌ من الامتحان، وامتحن الضعفاء بالأقوياء، والأقوياء بالضعفاء، والرجال بالنساء، والنساء بالرجال، وأيضًا امتحن الرجل بامرأته والمرأة بزوجها، والوالدين بأولادهما، والأولاد بوالديهما، والمؤمنين بالكفار، والكفار بالمؤمنين، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر بـمن يأمرونـهم، والمأمورين بالآمرين، وهكذا، فهذه الدنيا هي دار اختبارٍ وامتحانٍ.

ولهذا جاء في “صحيح مسلمٍ” من حديث عياض بن حمارٍ  أن النبي قال: إن الله قال لنبيه : إنـما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك [2]، فبعثه الله ليبتلي به ويبتليه أيضًا، فهذه الدنيا هي دار ابتلاءٍ وامتحانٍ.

ولهذا ينبغي أن يستحضر المسلم هذا المعنى، قيل للإمام أحمد، وقد رأى طلبةَ علمٍ خرجوا من عند أحد الشيوخ، فقال: مـمن أتيتم؟ قالوا: أتينا من فلانٍ، قال: إنه رجلٌ صالحٌ، خذوا منه، قالوا: إنه يقع فيك، ويطعن فيك، قال: “ماذا أقول؟! رجلٌ صالحٌ قد ابتلي بي[3].

انظر إلى نظرة الإمام أحمد! هذا رجلٌ صالحٌ ابتلي بي، يعني: ابتلي بي فلـم ينجح، يعني: وقع في عرضي ويتكلم فيَّ، لكنه مبتلًى بي، انظر كيف ينظر الإمام أحمد لهذا! لم يجد في نفسه عليه، ولـم يقابل السيئة بـمثلها، وإنـما نظر إلى أن هذا الرجل قد ابتلي بالإمام أحمد، وإلا فالإمام أحمد إمامٌ عظيمٌ، لكن ابتلي به هذا الرجل مع كونه صالحًا، فنظر الإمام أحمد إلى أن هذا ابتلي به، قال: ماذا أقول؟! رجلٌ صالحٌ قد ابتلي بي.

فينبغي أن ينظر المسلم لهذا الابتلاء، أحيانًا بعض الناس قد يتضجر ويتذمر من أمورٍ معينةٍ، لينظرْ على أنـها ابتلاءٌ، ابتُلي بـهذا الإنسان، وهذا الإنسان أيضًا ابتُلي به، فينبغي أن يصبر، وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ [الفرقان:20].

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه القضاعي في مسند الشهاب: 577، والبيهقي في شعب الإيمان: 7391.
^2 رواه مسلم: 2865.
^3 ينظر: طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى: (1/ 196)، ط دار المعرفة.
مواد ذات صلة
zh