logo
الرئيسية/مقاطع/حكم الجمع بين الصلاتين بسبب المطر

حكم الجمع بين الصلاتين بسبب المطر

مشاهدة من الموقع

قال:

“ومطرٌ يَبُلُّ الثياب، وتوجد معه مشقةٌ”[1].

أي: يجوز الجمع عند نزول المطر الذي اجتمع فيه هذان الوصفان:

  1. الوصف الأول: أنه يَبُلُّ الثياب، فمن صفات المطر التي توجد معه مشقةٌ: أنه يبل الثياب، بحيث لو عُصِر الثوب؛ يخرج منه ماءٌ.
  2. وأيضًا: توجد معه مشقةٌ، والمقصود بالمشقة: المشقة غير المعتادة، يعني: المشقة التي تكون لأجل نزول المطر، وتكون غير معتادةٍ، أما المشقة المعتادة، يعني: حتى مع عدم نزول المطر، هذه غير مؤثرةٍ.

ولا بد أن ندرك الفرق بين حال المساجد قديمًا، وحالها في الوقت الحاضر:

  • قديـمًا كانت مبنيةً من الطين، ومسقوفةً بالخشب، ومفروشةً بالحصباء، وليس هناك كهرباء، والطرق غير (مُسفْلَتةٍ)، ووسائل المواصلات: هي الدواب، وتخرج فضلاتـها في الشوارع وفي الطرقات، عند نزول أدنى مطرٍ؛ يلحق الناس حرجٌ كبيرٌ بترك الجَمْع، خاصةً إذا كان مصحوبًا ببردٍ؛ لأن الأرض تصبح طينيةً ووحِلَةً، وفي المسجد يتقاطر المطر على الناس وعلى الحصباء، فيلحق الناس الحرج.
  • أما في وقتنا الحاضر، فالأمر اختلف اختلافًا كبيرًا، المساجد مفروشةٌ ومسقوفةٌ، والكهرباء موجودةٌ، والطرق (مسفلتةٌ)، أحيانًا لا يلحق الناس مع نزول المطر أدنى درجات الحرج غير المعتادة، بل إنه أحيانًا في الصيف يلطف الجو، ليس فقط لا يلحق الناس حرجٌ، بالعكس، الناس يتفسحون ويتنزهون ويستبشرون، ولا توجد أدنى درجات الحرج والمشقة غير المعتادة؛ فلا يجوز الجمع في هذه الحال.

إذنْ لا بد من وجود حرجٍ ظاهرٍ يبيح الجمع؛ ولهذا المؤلف قال: “مطرٌ يَبُلُّ الثياب، وتوجد معه مشقةٌ”.

كيف نضبط هذا؟ كيف نضبط الحرج والمشقة؟ لأنه أيضًا يحصل اختلافٌ، بعض الناس يقول: هناك حرجٌ عند نزول المطر، وبعض الناس يقول: ليس بحرجٍ.

نضبط ذلك بالنظر إلى حال دنيا الناس؛ إذا تأثَّرت بـهذا المطر فلزم كثيرٌ من الناس بيوتـهم بـهذا المطر، وتأثرت الحركة التجارية وحركة الناس في الشوارع، ونحو ذلك؛ معنى ذلك: أن المشقة والحرج كبيرٌ، لكن إذا كانت دنيا الناس تسير على ما هي عليه قبل نزول المطر، ولـم يتغير منها شيءٌ، لكن إذا أتى الناس للمسجد قالوا: يلحقنا الحرج بترك الجمع، معنى ذلك أن هذا غير صحيحٍ.

وإذا شك إمام المسجد هل يجمع أو لا يجمع بسبب المطر؟ فالأصل عدم الجمع؛ لأنه إذا صلى ولـم يجمع؛ فصلاته صحيحةٌ عند الجميع، إذا صلى وقد جمع؛ فربما لا تصح صلاته عند طائفةٍ من أهل العلم، وشرط الوقت هو آكد شروط الصلاة، قد تسقط كثيرٌ من الشروط والأركان والواجبات مراعاةً له، وهذا من الأمور المـحكمة البينة، فلا نخرج عنه إلا بشيءٍ واضحٍ.

فإن قال قائلٌ: أليس في حديث ابن عباسٍ جمع النبي بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، من غير خوفٍ ولا سفرٍ [2]؟  

نقول:

  • أولًا: هذا الحديث رواه مسلمٌ، لكن العلماء تكلموا على هذا الحديث، قالوا: إنه لا يُعمل بظاهره، وأنه يُـجمَع من غير سببٍ، ونقل الترمذي الإجماع على ذلك، إجماع الأمة على ترك العمل بظاهره.
  • ثانيًا: قيل: إن النبي إنـما كان جمعه في حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما هذا جمعًا صوريًّا: أخَّر الظهر إلى آخر وقتها، وقدم العصر لأول وقتها، وأخر المغرب لآخر وقتها، وقدم العشاء لأول وقتها [3]، وهذا قد جاء في روايةٍ عند النسائي.
  • ثالثًا: قيل: كان هناك عذرٌ خفيٌّ على ابن عباسٍ، قيل: كان هناك وباءٌ في المدينة، وقال مالكٌ وأيوب: إنه كان هناك مطرٌ، وابن عباسٍ كان صغيرًا، ولو كان النبي جمع من غير خوفٍ ولا سفرٍ؛ لكان هذا من الأمور الملفتة للنظر، ولنقله عددٌ كثيرٌ من الصحابة .

وبكل حالٍ، هذا الحديث سمعت شيخنا عبدالعزيز بن بازٍ رحمه الله يقول: إن هذا الحديث من الأحاديث المشتبهة، فيُرَدُّ للنصوص المـحكمة، والنصوص المـحكمة تدل على أنه يجب أن تؤدَّى كل صلاةٍ في وقتها، وأنه لا يجوز الجمع بين الصلاتين من غير عذرٍ، فيرد هذا النص المتشابه -أكثر ما يقال فيه: أنه متشابهٌ- لهذه النصوص المـحكمة.

والجمع بين الصلاتين معدودٌ عند كثيرٍ من أهل العلم من الكبائر.

إذنْ لا يُحتج بـهذا الحديث على التساهل في الجمع من غير وجود السبب المقتضي لذلك.

قد يقول بعض الناس: إن بعض كبار السن يشق عليهم حضور المسجد مع نزول المطر.

نقول: المشقة المعتادة غير مؤثرةٍ؛ لأنـهم أيضًا يشق عليهم الإتيان للمسجد حتى لو لـم يوجد مطرٌ، كبير السن والمريض يشق عليه المـجيء للمسجد حتى لو لـم يوجد مطرٌ، لكن المعوَّل عليه المشقة غير المعتادة بسبب نزول المطر، هذه هي المشقة المؤثرة، وأما المشقة المعتادة فهذه غير مؤثرةٍ.

ويلاحظ التساهل الكبير من بعض أئمة المساجد في الجمع عند نزول المطر مع عدم وجود المشقة الظاهرة، وربما بعض الناس أيضًا يقول: إن الله يحب أن تؤتى رخصه [4]، اجمَعوا، كيف  لا تجمعون؟! وهذا خطأٌ في الفهم؛ لأن الجمع في السفر سنةٌ ولو لـم توجد مشقةٌ بالإجماع، فَعِلَّة القصر في السفر: هي السفر نفسه، أما علة الجمع بين الصلاتين في الحضر: هي المشقة، فلا بد من وجود المشقة الظاهرة، وإلا لـم يجز الجمع.

عند الحنابلة: هل الجمع بين المغرب والعشاء فقط، أو يشمل الجمع بين الظهر والعصر؟

  • المذهب عند الحنابلة: أن الجمع للمطر بين العشائين فقط -بين المغرب والعشاء- وعندهم أنه لا يجوز الجمع بين الظهر والعصر، ولو كان هناك مطرٌ توجد معه مشقةٌ، قالوا: لأن الغالب في نزول الأمطار في النهار ألا يكون معها مشقةٌ[5].
  • والقول الثاني: أن الجمع كما يكون بين المغرب والعشاء لأجل المطر؛ يكون كذلك بين الظهر والعصر إذا وُجد الحرج والمشقة بترك الجمع، وهذا القول روايةٌ عن الإمام أحمد، وهو القول الراجح، بل اختار هذا القول ابن تيمية[6] وجمعٌ من المـحققين من أهل العلم؛ إذ إنه لا وجه للتفريق بين المغرب والعشاء والظهر والعصر، وقولهم: إن مَظنَّة المشقة في الغالب بين المغرب والعشاء غير مُسلَّمٍ؛ فقد ينزل مطرٌ في الظهر يشق على الناس معه ترك الجمع أكثر من المطر الذي ينزل في المغرب، وخاصةً إذا وُجدت ريحٌ شديدةٌ باردةٌ مصاحبةً له.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 دليل الطالب مرعي الكرمي: (ص 53)، ط دار طيبة.
^2 رواه مسلم: 705.
^3 رواه النسائي: 588.
^4 رواه أحمد: 5866.
^5 عمدة الفقه لابن قدامة: (ص 29)، ط المكتبة العصرية.
^6 مجموع الفتاوى: (21/ 433-434).
مواد ذات صلة
zh