وهدي النبي يدل على أن أفضل ما يشتغل به الحاج يوم عرفة بعد الزوال: الدعاء؛ لأنه عليه الصلاة والسلام لـمَّا زالت الشمس خطب الناس في وادي نَـمِرة، وصلى بـهم صلاة الظهر والعصر قصرًا وجمعًا، ثم سار عليه الصلاة والسلام إلى آخر عرفة من جهة الشرق عند الصخرات، وأناخ ناقته ولـم ينزل عنها، وإنـما ظل راكبًا عليها مستقبلًا القبلة رافعًا يديه يدعو طيلة الوقت، طيلة الوقت وهو رافعٌ يديه يدعو حتى غربت الشمس [1]، وهو وقتٌ طويلٌ قد يصل إلى قرابة ست ساعاتٍ، ومع ذلك هذا الوقت كله كان عليه الصلاة والسلام منشغلًا فيه بالدعاء.
حتى إن الصحابة شكُّوا هل كان صائمًا أم لا؟ فأرسلت إليه أم الفضل بلبنٍ بعد العصر، فشرب منه والناس ينظرون، فعلموا أنه كان مفطرًا، وهذا يدل على أن أفضل ما يفعله الحاج عشية عرفة -أي من بعد الزوال- هو الدعاء، ويسن أن يرفع يديه اقتداءً بالنبي .
والدعاء في هذا الموطن حريٌّ بالإجابة، وقد استفاض واشتهر وتواتر عن أناسٍ دعوا في ذلك المكان من الحجاج، فتبينوا إجابة دعواتـهم، وأخبر النبي بأن الله تعالى يدنو من الحجيج عشية عرفة ويقول: ما أراد هؤلاء؟ [2]، وفي الرواية الأخرى يقول: أتوني عبادي شعثًا غبرًا ضاحِين، أشهدكم أني قد غفرت لهم [3].
وسؤال الأخ الكريم عن المفاضلة: قيام الليل له فضلٌ، وكذلك ليلة القدر لها فضلٌ، وأيضًا هذا المقام -مقام يوم عرفة- له فضلٌ، لكن هذا الفضل -فيما يظهر- أكثر ما يكون للحجيج؛ لأن النصوص إنـما وردت بالفضل للحجيج على صعيد عرفات.
وغير الحاج هناك أمورٌ ينبغي أن يحرص عليها ويفعلها؛ كصيام يوم عرفة، وأيضًا يوم عرفة يعتبر من عشر ذي الحجة التي أخبر النبي بأنه: ما من أيامٍ العمل فيهنَّ أحب إلى الله من هذه العشر [4]، فغير الحاج أيضًا على خيرٍ، لكن الحُجاج على وجه الخصوص لهم هذه المزية وهذا الفضل: أن الله يدنو ثم يباهي بـهم ملائكته، ويغفر ذنوبهم وخطاياهم، ويستجيب لبعض دعواتـهم؛ لأن الله تعالى قال: أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا [البقرة:202]؛ فدل هذا على أن هذا المقام مقامٌ يستجاب فيه بعض الدعوات التي يدعون بـها ربهم .