الرئيسية/برامج تلفزيونية/مفطرات الصيام المعاصرة/(2) مقدمة في حقيقة المفطرات المعاصرة
|categories

(2) مقدمة في حقيقة المفطرات المعاصرة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا هو الدرس الأول في مفطرات الصيام المعاصرة، وهذا الدرس سيكون مقدمة للحديث عن حقيقة المفطرات، وضابط ما يحصل به التفطير، مع الإشارة لأصول هذه المفطرات.

أولًا: حقيقة الصيام

الصيام معناه في اللغة: الإمساك.

ومعناه شرعًا: التعبد لله ​​​​​​​ بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، هذه هي حقيقة الصيام الشرعية.

وأصول المفطرات ذكرها الله ​​​​​​​ في قوله: فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ [البقرة:187]، فذكر الله تعالى ثلاثة أصول: الأكل والشرب والجماع، فهذه هي أصول المفطرات.

وورد في السنة أيضًا مفطرات أخرى، واختلف العلماء في ضابط ما يحصل به التفطير للصائم على أقوال كثيرة، وكثير منهم جعل ضابط ما يحصل به التفطير هو ما ينفذ للجوف، ثم اختلفوا أيضًا في ضابط هذا الجوف.

ضابط المُفطِّر

والقول الراجح في ضابط ما يحصل به التفطير هو ما قرره الإمام ابن تيمية رحمه الله من أن ضابط ما يحصل به التفطير هو ما كان منصوصًا عليه، أو في معنى المنصوص.

فالمنصوص عليه هو الأكل والشرب والجماع، وهذا منصوص عليه في القرآن، وأيضًا ورد في السنة بأمور أخرى: كالحيض والنفاس، وأيضًا الحجامة، فهذه تفسد الصيام، وهي منصوص عليها.

ويقاس عليها ما كان في معناها، فما كان في معنى الأكل والشرب فيكون مفسدًا للصيام، ومن ذلك على سبيل المثال: الإبر المغذية، فالإبر المغذية هي في معنى الطعام والشراب؛ ولهذا يستغني المريض بالإبر المغذية مدة طويلة.

بينما الإبر غير المغذية هذه لا تفسد الصيام؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، وليست بمعنى الأكل والشرب.

أيضًا لو أخذنا الحجامة، الحجامة منصوص عليها في قول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [1]، فيقاس عليها ما كان في معناها؛ كالتبرع بالدم مثلًا، أو تحليل الدم إذا كان الدم المستخرج كثيرًا في معنى دم الحجامة أو أكثر.

أما إذا كان الدم المستخرج للتحليل يسيرًا؛ كالدم المستخرج لمعرفة قياس مستوى السكر في الدم، هذا لا يفسد الصيام؛ لأنه دم يسير، فهذا هو الضابط لما يحصل به التفطير.

هل المعاصي تفسد الصيام؟

بقي أمر آخر وهو ما يقترفه الصائم من المعاصي، هذه عند عامة أهل العلم ليس لها أثر على صحة الصيام؛ خلافًا لابن الحزم في الغيبة، فإنه يرى أنها تفسد الصيام، لكنه قول شاذ لم يوافقه عليه غيره من أهل العلم قديمًا ولا حديثًا.

فالمعاصي التي تقع من الصائم هذه لا تفسد الصيام، ولكن لها أثر في نقصان أجر الصائم، والدليل لهذا هو ما جاء في صحيح البخاري وغيره من حديث أبي هريرة : أن النبي قال: من لم يدع قول الزور، والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه [2].

فالذي لا يتأدب بآداب الصيام، وتقع منه المعاصي، كل معصية تخدش في الصوم، وكل معصية تنقص من أجر الصائم، وإذا كثرت هذه المعاصي من الصائم ربما يصل إلى المرحلة التي ذكرها النبي في قوله: فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه أي: أنه لا يؤجر، ولا يثاب على هذا الصيام، وإن كانت تحصل به براءة الذمة.

ونظير هذا من بعض الوجوه من أتى بصلاة لم يخشع فيها، هي صلاة مكتملة الأركان والشروط والواجبات، لكنه من تكبيرة الإحرام إلى التسليم وهو في هواجس وفي وساوس، هذه الصلاة تحصل بها براءة الذمة؛ لأنها مكتملة الأركان والشروط والواجبات، ولكن لا يؤجر عليها، فإنه ليس للمصلي من صلاته إلا بمقدار ما عقل منها.

هكذا إذن الصيام الذي كثرت المعاصي فيه من الصائم لا يؤجر على هذا الصيام إذا كثرت: ليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه لكن هذا الصيام يقع صحيحًا تبرأ به الذمة.

ولهذا ينبغي لك يا أخي الكريم إذا كنت صائمًا أن تحرص على اجتناب المعاصي، واجتناب المعاصي مطلوب من الصائم ومن غيره، لكنه يتأكد في حق الصائم؛ لأن كل معصية تخدش في الصيام؛ ولهذا كان كثير من السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد، وقالوا: نحفظ صومنا، ولا نغتاب أحدًا.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه أبو داود: 2367، والترمذي: 774، وابن ماجه: 1679، وأحمد: 8768، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
^2 رواه البخاري: 1903.
مواد ذات صلة