الرئيسية/برامج تلفزيونية/مفطرات الصيام المعاصرة/(11) مفطرات الصيام المعاصرة- حكم الحجامة وتحليل الدم
|categories

(11) مفطرات الصيام المعاصرة- حكم الحجامة وتحليل الدم

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أما بعد:

أثر الحجامة على صحة الصيام

فهذا هو الدرس الرابع من الوحدة الثانية في مفطرات الصيام المعاصرة، وأتحدث معكم في هذا الدرس عن أثر الحجامة على صحة الصيام؟ وما يتفرع عن ذلك من مسائل معاصرة، ومن ذلك: التبرع بالدم، وتحليل الدم، ونحو ذلك.

الحجامة أولًا معناها: سحب الدم من الجلد؛ وذلك بأن يفرغ الهواء أولًا من المنطقة التي يراد الحجامة فيها، ثم بعد ذلك يجرح بمشرط ونحوه، ثم يسحب الدم الذي على سطح الجلد، وهي معروفة من قديم الزمان، وقد أخبر النبي بأنها من العلاج الذي فيه الشفاء بإذن الله.

يقول عليه الصلاة والسلام: إن أمثل ما تداويتم به الحجامة [1]، أخرجه البخاري في صحيحه، وهي في الوقت الحاضر مصنفة ضمن طب العلاج البديل.

هل تفطر الحجامة الصائم؟

الحجامة هل تفطر الصائم أم لا؟ اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:

  • القول الأول: أن الحجامة تفطر الصائم، وهذا هو المذهب عند الحنابلة، وهو من المفردات، واستدل أصحاب هذا القول بحديث شداد بن أوس أن النبي قال: أفطر الحاجم والمحجوم [2].
    قال: هذا لما مر برجل يحجم آخر، وهو صائم، فقال: أفطر الحاجم والمحجوم، وهذا الحديث من جهة الصناعة الحديثية حديث صحيح، وقال عنه البخاري: «إنه أصح حديث في الباب»، وأخرجه أبو داود وغيره.
  • القول الثاني في المسألة: أن الحجامة لا تفسد الصيام، وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية، وهو رواية عند الحنابلة، واستدلوا بما جاء في الصحيحين: أن النبي “احتجم، وهو محرم” [3]، وزاد البخاري: “وهو صائم” [4].

فرواية البخاري: “احتجم وهو صائم محرم” فقالوا: إن النبي احتجم وهو صائم، ولو كانت الحجامة تفسد الصيام لما فعل ذلك النبي ، وأيضًا استدلوا بقول أنس: “إنما كرهت الحجامة من أجل الضعف”.

والقول الراجح في هذه المسألة: القول الأول، وهو أن الحجامة تفسد الصيام، وقد اختار هذا القول جمع من المحققين من أهل العلم، كأبي العباس ابن تيمية، وابن القيم، ومن مشايخنا الشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن عثيمين رحمهم الله تعالى جميعًا؛ وذلك لحديث: أفطر الحاجم والمحجوم فإنه حديث صحيح، وأيضًا هو من قول النبي ، ودلالة القول أقوى من دلالة الفعل.

وأما ما استدل به الجمهور من حديث ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي : “احتجم وهو صائم” فهذه اللفظة غير محفوظة عند كثير من الحفاظ، ذكروا أن هذه اللفظة غير محفوظة، وأن المحفوظ من رواية الحديث: هو ما اتفق عليه البخاري ومسلم وهو: “احتجم النبي وهو محرم”، هذا الحديث بهذا اللفظ الذي اتفق عليه البخاري ومسلم هو المحفوظ.

وأما زيادة: “احتجم وهو صائم محرم” فغير محفوظة، ثم على تقدير أن تكون محفوظة، فقد ذكر ابن القيم رحمه الله احتمالات ترد على هذا، فيحتمل أن النبي احتجم وهو صائم في السفر، والمسافر يجوز له الفطر، ويحتمل أيضًا أن هذا في صيام التطوع، ويحتمل غير ذلك، ولو افترضنا التعارض بين حديث: أفطر الحاجم والمحجوم وبين حديث: “احتجم وهو صائم” فحديث: أفطر الحاجم والمحجوم مقدم؛ لأنه من قول النبي ، بينما حديث: “احتجم وهو صائم” من فعل النبي ، ومن المقرر عند الأصوليين: أن دلالة القول أقوى وأصلح من دلالة الفعل.

وأما قول أنس: “إنما كنا نكره الحجامة من أجل الضعف” فهو اجتهاد منه  والعبرة بالدليل، وما دام أن هذه المسألة فيها دليل من كلام النبي ، فيكون هذا هو المرجح.

وعلى هذا فالقول الراجح: أن الحجامة تفسد الصيام.

حكم ما يتفرع في معنى الحجامة

ويتفرع عن هذا أن إخراج الدم الذي هو في معنى دم الحجامة أنه مفسد للصيام.

التبرع بالدم

ومن ذلك: التبرع بالدم فإن التبرع بالدم يكون بدم كثير، في معنى دم الحجامة، أو أكثر منه، فيكون مفسدًا للصيام.

تحليل الدم إذا كان الدم المستخرج كثيرًا

وكذلك أيضا تحليل الدم إذا كان الدم المستخرج كثيرًا، فإنه مفسد للصيام.

أما إذا كان الدم المستخرج يسيرًا، كالدم الذي يستخرج لأجل معرفة مستوى السكر في الدم هذا لا يفسد الصيام، أو الدم الذي يخرج عند قلع السن هذا لا يفسد الصيام.

لكن إذا كان الدم المستخرج كثيرًا في معنى دم الحجامة، أو أكثر؛ فإنه يكون مفسدًا للصيام، لكن إذا احتاج الإنسان إلى التبرع، أو إذا احتاج إلى تحليل الدم، أو احتاج غيره إلى التبرع بالدم، فله أن يفعل هذا، ويقضي ذلك بعد رمضان.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه البخاري: 5696.
^2 رواه أبو داود: 2367، وابن ماجه: 1681، وأحمد: 17112.
^3 رواه البخاري: 1938، ومسلم: 1202.
^4 رواه البخاري: 1938.
مواد ذات صلة