عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا هو الدرس الأول من الوحدة الثانية في مفطرات الصيام المعاصرة، وسأتحدث في هذا الدرس عما يدخل إلى الجسم عن طريق الجلد، وعن أثره على صحة الصيام.
وسأتكلم عن أثر استخدام الحقنات، وكذلك أيضًا المراهم، واللصقات، والغسيل الكلوي.
أثر استخدام الحقن على الصيام
نبتدئ أولًا بالكلام عن تأصيل المسألة، ما يدخل للجسم عن طريق الجلد، هل الجلد يعتبر منفذًا معتادًا للطعام والشراب؟
أثر الإبر والحقن المغذية
الواقع أنه ليس بمنفذ معتاد للطعام ولا للشراب؛ ولذلك فإنّ المريض إذا تعذر إعطاؤه الطعام والشراب عن طريق فمه لا يعطى عن طريق جلده، ولكن قد يكون منفذًا للطعام والشراب من جهة استخدام الإبر والحقنات المغذية، فيمكن إذا حقن بالإبر المغذية عن طريق الوريد يقوم مقام الطعام والشراب؛ ولذلك فإن الإبر والحقن المغذية هذه مفسدة للصيام، ومفطرة للصائم؛ لأنه يستغني بها عن الطعام والشراب، وهي تقوم مقام الطعام والشراب؛ ولذلك فعامة العلماء المعاصرين على أن الإبر المغذية أنها مفسدة للصيام، ويحصل بها التفطير للصائم.
أثر الإبر والحقن غير المغذية
أما الإبر والحقن غير المغذية وهي العلاجية، فهذه محل خلاف بين العلماء، وأكثر العلماء المعاصرين على أنها ليست بمفسدة للصيام؛ لأنها ليست أكلًا ولا شربًا، ولا بمعنى الأكل والشرب، والأصل هو صحة الصيام، فلا نستطيع أن نقول: إن صوم هذا الصائم قد فسد إلا بأمر واضح، وهذه الإبر العلاجية ليست في معنى المنصوص عليهم، ليست في معنى الأكل، وليست في معنى الشرب، وليست في معنى سائر المنصوص عليه؛ ولذلك فهذه الإبر والحقنات العلاجية لا تفسد الصيام، ومن ذلك على سبيل المثال: إبر السكر التي يحقن بها مريض السكر، يحقن بالأنسولين، هذه لا تفسد الصيام، وهكذا سائر الإبر العلاجية.
أثر استخدام المراهم واللصقات على الصيام
وأما بالنسبة للمراهم فالمراهم كذلك لا تفسد الصيام؛ لأنها ليست بأكل ولا شرب، وليست في معنى الأكل ولا الشرب بجميع أنواعها.
وكذلك أيضًا اللصقات أيضًا ليس لها أثر على صحة الصيام، ومن ذلك: لصقات النيكوتين التي تعطى مدمني شرب الدخان، فإنه عند علاج الإدمان لدى من يشرب الدخان يعطى أولًا لصقات على ظهره، وعلى أجزاء من جسده، وهذه اللصقات تحتوي على كمية من النيكوتين تخفف شيئًا فشيئًا إلى أن يقلع عن شرب الدخان، ويترك الإدمان على شربه، هذه اللصقات ليست بأكل ولا شرب، وليست بمعنى الأكل ولا الشرب؛ ولهذا فالقول الراجح: أن لصقات النيكوتين لا تفسد الصيام.
أثر الغسيل الكلوي على الصيام
وأما بالنسبة للغسيل الكلوي، فالغسيل الكلوي على نوعين:
- الغسيل الكلوي الدموي.
- والغسيل الكلوي البريتوني.
أما الغسيل الكلوي الدموي فمعناه: أن المصاب بالفشل الكلوي يأتي إلى وحدات لتنقية الدم، ويسحب دمه في هذه الوحدات، وتنقى من الشوائب، ثم يعاد دمه إليه مرة أخرى بعد تنقيته.
الغسيل الكلوي الدموي يمكن أن يُخرّج على الحجامة، والحجامة على القول الراجح تفسد الصيام؛ لقول النبي : أفطر الحاجم والمحجوم [1].
وحتى على القول بأن الحجامة لا تفسد الصيام، فالغسيل الكلوي أيضًا مفسد للصيام؛ لأنه مع الغسيل الكلوي تضاف سكريات وأملاح ومعادن، وهذه المواد حقنها بالإنسان مفسد للصيام؛ ولذلك فالإنسان بعد الغسيل الكلوي يشعر بخفة ونشاط، وأيضًا يرتفع عنده مستوى السكر، وهذا يدل على أثر هذه المواد عليه، حتى لو قلنا: إن الحجامة لا تفسد الصيام، فالغسيل الكلوي الدموي مفسد للصيام بسبب إدخال هذه المواد من الجلوكوز والسكريات والأملاح والمعادن.
وأما بالنسبة للغسيل الكلوي البريتوني فمعناه: أنه يؤتى تحت السرة ويوضع فتحة، ويوضع فيها مواد من الجلوكوز المركز وغيره؛ لكي تجذب الشوائب التي في الدم، ثم يحصل تنقية الدم من هذه الشوائب، وتستمر عدة ساعات.
الغسيل الكلوي البريتوني هذا ليس فيه إخراج للدم، فلا يصح تخريج المسألة على الحجامة، لكن أيضًا الإشكال الذي ذكرناه في الغسيل الكلوي الدموي موجود في الغسيل الكلوي البريتوني، فإنه يعطى هذا الذي يغسل مواد من الجلوكوز ومن السكريات والأملاح والمعادن، وهذه من شأنها أنها تفسد الصيام، وتٌفطّر الصائم.
وعلى هذا فالغسيل الكلوي بنوعيه: سواء الغسيل الكلوي الدموي، والغسيل الكلوي البريتوني مفسد للصيام.
والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحاشية السفلية
^1 | رواه أبو داود: 2367، والترمذي: 774، وابن ماجه: 1679، وأحمد: 8768، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. |
---|