الرئيسية/برامج تلفزيونية/عقود المعاوضات المالية- جامعة الإمام/(14) عقود المعاوضات المالية- بيع اللحم بحيوان وربا الديون
|categories

(14) عقود المعاوضات المالية- بيع اللحم بحيوان وربا الديون

مشاهدة من الموقع

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

أيها الإخوة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

هذه هي المحاضرة الرابعة عشرة من هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، وكنا قد تكلمنا في المحاضرات السابقة عن جملة من المسائل والأحكام المتعلقة بالربا، كنا قد عرفنا الربا بأنه زيادة في أشياء مخصوصة، ثم ذكرنا علة الربا، يعني الضابط فيما يجري فيه الربا وما لا يجري فيه الربا.

وذكرنا أن العلة في الذهب والفضة والأوراق النقدية أنها الثمنية، وأن العلة في غيرها الطعم مع الكيل أو الوزن، فما تحققت فيه إحدى هاتين العلتين، فإنه يجري فيه الربا، وما لم يتحقق فيه شيء من هاتين العلتين فإنه لا يجري فيه الربا، وذكرنا أيضًا أن الأوراق النقدية التي يتعامل بها الناس اليوم تأخذ حكم الذهب والفضة، ويجري فيها الربا.

ثم بعد ذلك ذكرنا قواعد في الربا، ومن هذه القواعد: أنّ علة الربا إذا اختلفت فيجوز التفاضل، وكذلك أيضًا التأخير، لا يشترط لا التقابض ولا التماثل، أما إذا اتحدت علة الربا، فإما أن يكون الشيئان من جنس واحد، أو من جنسين مختلفين، فإن كانا من جنس واحد فيشترط التقابض والتماثل، وإن كانا من جنسين مختلفين فيشترط التقابض فقط؛ لقول النبي : فإذا اختلفت الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدًا بيد [1].

وذكرنا لهذا أمثلة كثيرة، ثم بعد ذلك تكلمنا عن جملة من المسائل المتعلقة بالربا، وجملة من القواعد أيضًا، ومنها الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل، ومنها أيضًا أنه لا يجوز بيع خالص ربوي بمشوبه، وذكرنا لهذا أمثلة.

حكم بيع اللحم بحيوان

ووقفنا عند مسألة حكم بيع اللحم بحيوان، نستفتح بها هذه المحاضر، أقول:

ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه، لا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه، فلا يجوز بيع لحم ضأن بضأن مثلًا، ولا بيع لحم جمل بجمل، ولا بيع لحم بقر ببقر؛ لما روى مالك في الموطأ عن سعيد بن المسيب: “أن النبي نهى عن بيع اللحم بالحيوان” [2] وهذا الحديث حديث ضعيف؛ لأن سعيد بن المسيب ليس صحابيًا، فيكون هذا مرسلًا، والمرسل من أقسام الضعيف، فيكون إذًا هذا ضعيف لإرساله؛ لكن له شاهد من حديث ابن عمر عند البزار، وشاهد آخر من حديث سمرة عند البيهقي والحاكم، فيتقوى بهذين الشاهدين؛ ولذلك فيصلح للاحتجاج به، وذهب بعض العلماء إلى أنه إن كان قصد مشتري الحيوان الأكل، فإنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان، وإن كان قصد المشتري الانتفاع بذلك الحيوان بغير الأكل، فإنه لا بأس بهذا البيع.

إذًا مرة أخرى، القول الثاني هو القول بالتفصيل، وهو إن كان قصد مشتري الحيوان اللحم، فإنه لا يجوز بيع اللحم بالحيوان لهذا الحديث؛ لحديث نهى النبي عن بيع اللحم بالحيوان، حديث سعيد بن المسيب الذي ذكرناه؛ لأنه حينئذٍ يكون كأنه باع لحمًا بلحم مع التفاضل، فما دام أنه يقصد مثلاً لحم هذا الخروف لا يجوز بيع لحم بخروف، ما دام أنه يقصد لحمه، أما إذا كان قصد المشتري الانتفاع بذلك الحيوان بغير الأكل، كأن يقصد به الانتفاع به في الركوب، أو في الحرف، أو نحو ذلك، فلا يحرم حينئذٍ بيع اللحم بالحيوان، وهذا قول عند الحنابلة، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى، ولعل هذا القول هو القول الراجح في المسألة.

قال ابن القيم رحمه الله: “الصواب أن الحيوان إذا كان مقصودًا للحم كشاة يقصد لحمها فتباع بلحم، فيكون قد باع لحمًا بلحم أكثر منه من جنس واحد، واللحم قوت موزون فيدخله الفضل، وأما إن كان الحيوان غير مقصود به اللحم، كما إذا كان غير مأكول، أو مأكولًا لا يقصد لحمه، كالفرس تباع بلحم أبل، فهذا لا يحرم بيعه به”، إذًا القول الراجح في حكم بيع اللحم هو القول بالتفصيل، وهو إنه إذا كان مقصود مشتري الحيوان اللحم، فلا يجوز، أما إذا كان يقصد به أمرًا آخر غير اللحم كأن يقصد به الركوب أو الحرث أو الانتفاع بلبن أو نحو ذلك، فإنه يجوز بيع اللحم بالحيوان.

بيع الحيوان بالحيوان

ثم مسألة أخرى، وهي بيع الحيوان بالحيوان، يعني مثلًا يريد أن يبيع جملًا بجملين، بقرة ببقرتين، خروف بخروفين، هل هذا يدخله الربا؟ أو لا يدخله الربا؟ يعني مثلًا لو أراد أن يبيع صاع بر بصاعين نقول: هذا ربا، طيب الحيوان هل مثل هذا هل يدخله الربا؟ هل يجوز بيع جمل؟ حيوان هل هو مثل هذا؟ هل يدخله الربا؟ هل يجوز بيع جمل بجملين؟ بقرة ببقرتين؟ خروف بخروفين أم لا؟ أو بيع مثلًا جمل بجمل مع عدم التقابض.

أقول: أختلف الفقهاء في جريان الربا في بيع الحيوان بالحيوان، والقول الصحيح في هذه المسألة: أنه لا يجري فيه الربا مطلقًا، فيجوز بيع الحيوان بالحيوان، سواء بيع بجنسه، أو بغير جنسه متساويًا أو متفاضلًا، وهذا القول هو الصحيح من مذهب الحنابلة، كما ذكر ذلك صاحب الإنصاف، والدليل لهذا القول هو حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي أمره أن يجهز جيشًا، فنفذت الإبل، فأمره أن يأخذ على قلائص الصدقة، فكان البعير بالبعيرين، والبعيران بالثلاثة إلى إبل الصدقة [3] أخرجه أبو داود، والدارقطني، والبيهقي، والحاكم، وقال الحافظ ابن حجر: “إسناده قوي”، وهذا الحديث ظاهر الدلالة في جواز بيع الحيوان بالحيوان مع التفاضل والنسأ.

ولهذا قال ابن القيم: “هذا الحديث صريح في جواز المفاضلة والنسأ، وهو حديث حسن”، وكما ترون يعني هذا الحديث صحيح من جهة الإسناد يعني، إما حسن أو صحيح، هو ثابت من جهة الإسناد، وصريح الدلالة بجواز بيع الحيوان بالحيوان مع التفاضل، فإن النبي أمر عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما أن يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة، فهنا حصل تفاضل وحصل أيضًا عدم تقابض، يعني نسأ وتأخير؛ ولذلك يعني فهذا الحديث ثابت وحديث صريح في جواز بيع الحيوان، مع عدم التقابض، ومع أيضًا التفاضل.

وأما حديث سمرة أنّ النبي  نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة [4]، فهذا الحديث أخرجه أبو داود في سننه، لكنه حديث ضعيف لا يصح؛ لكونه مروي من طريق الحسن عن سمرة، ورواية الحسن عن سمرة فيها كلام كثير للعلماء، قال الإمام أحمد: “لا يصح سماع الحسن عن سمرة”، وقال البيهقي: “أكثر الحفاظ لا يثبتون سماع الحسن عن سمرة غير حديث العقيقة”، فيكون هذا الحديث إذًا ضعيف، حديث: نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، يكون ضعيفًا، وحديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما في شراء إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة، حديث ثابت.

وبناء على ذلك يكون القول الراجح: جواز بيع الحيوان بالحيوان مع التفاضل، ومع عدم التقابض، إذًا مما سبق يتلخص أن اللحم يجري فيه الربا، فيشترط عند بيع لحم بلحم من جنسه التقابض والتماثل، وأما بيع اللحم بالحيوان، فالراجح إن كان المقصود بالحيوان اللحم لم يجز، وإن كان المقصود بشرائه الانتفاع به بغير الأكل، جاز بيع اللحم بالحيوان، أما بيع الحيوان بالحيوان فيجوز مطلقًا، مع التفاضل، ومع النسأ، هذه خلاصة الكلام في بحث هذه المسألة؛ لهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن ربا الفضل، وربا النسيئة، ونحن عندما تكلمنا عن أقسام الربا، قلنا: إن الربا ينقسم إلى ربا الفضل وربا النسيئة وربا الديون، وبعض العلماء يسميه ربا القرض؛ فننتقل إذًا للحديث عن القسم الثالث وهو ربا الديون.

ربا الديون

هو الربا الذي كانت تعرفة العرب في جاهليتها، وهو المذكور في قول الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [آل عمران:130]، وقيل: إن المقصود بهذا الربا المذكور يعني في الآية المقصود به ربا الديون، الذي كان معروفًا عند العرب في الجاهلية، وله عند العرب صورتان:

  • الصورة الأولى: الزيادة على أصل الدين عند حلول أجل الوفاء، وتأجيله مدة أخرى، للعجز عن الوفاء، فعندما يحل الدين يأتي الدائن ويقول للمدين: قد حل الدين، فإما أن تقضي، وإما أن تُربي، يعني إما أن تسدد لي الدين الذي في ذمتك، وإما أن أنظرك أؤجلك سنة، أو أقل، أو أكثر مقابل زيادة الدين، فإن قضاه الدين، وإلا أجل له الدين مقابل زيادة نظير التأجيل، قال عطاء رحمه الله: “كانت ثقيف تداين بني المغيرة في الجاهلية، فإذا حل الأجل قالوا نزيدكم وتؤخرون، فنزلت: لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً [آل عمران:130]”، وقال قتادة: “إن ربا الجاهلية أن يبيع الرجل المبيع إلى أجل مسمى، فإذا حل الأجل ولم يكن عند صاحبه قضاء زاده وأخّر عنه”، إذا هذه هي الصورة المشهورة في ربا الجاهلية، فعندما يحل الدين يأتي الدائن المدين، ويقول له: إما إن تقضي، وإما أن تُربي، إما أن تسدد الدين الذي في ذمتك، وإما أن أنظرك، وتزيد لي في الدين.
  • الصورة الثانية: الزيادة على دين القرض عند العقد ابتداءً، قال أبو بكر الجصاص رحمه الله: “الربا الذي كانت تعرفه العرب وتفعله إنما كان قرض الدراهم والدنانير إلى أجل بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به، وهذا هو المتعارف المشهور بينهم؛ ولهذا قال الله تعالى:  وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ [الروم:39]، قال الرازي في تفسيره: “إنّ ربا النسيئة هو الذي كان مشهورًا متعارفًا في الجاهلية؛ وذلك أنهم يدفعون المال على أن يأخذوه كل شهر قدرًا معين، ويكون رأس المال باقيًا، ثم إذا حل الدين طالبوا المدين برأس المال،، فإن تعذر عليه الأداء زادوا في الحق والأجل، فهذا هو الربا الذي كانوا يتعاملون به”.
    ومعنى ذلك أنهم يزيدون في الدين ابتداء، فيقرضه مثلًا ألف دينار، على أن يردها بعد سنة ألف ومائة، يعني دنانير بدنانير مع التفاضل، أو دراهم بدراهم مع التفاضل، فهذا أيضًا من أنواع الربا التي كانت موجودة عند الجاهلية، هاتان الصورتان لربا الجاهلية، وإن كانتا موجودتان في الجاهلية، وعند العرب قبل الإسلام، ونزل القرآن بتحريمهما، إلا أنهما موجودتان بعينهما اليوم في كثير من البنوك والمؤسسات المالية في العالم، وتسمي ما تأخذه على الديون من ربا بالفوائد، يسمونها فوائد أو عمولة، أو غير ذلك من الأسماء، وتسمية الربا بالفائدة أو بالعمولة، لا يغير حقيقته ولا حكمه، من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، فإن الحرام يبقى حرامًا ولو تغير اسمه؛ ولهذا قال النبي
    : ليكونن في أمتي أقوام يشربون الخمر يسمونها بغير اسمها [5]، فهل إذا سمى الناس الخمر مشروبًا روحيًّا؟ هل يتغير حكمه؟ أبدًا يبقى خمرًا، وإن سُمي بأي اسم، هكذا الربا وإن سمي بأي اسم يبقى ربا، ويبقى محرمًا، ومن كبائر الذنوب، ومن الموبقات.
    ويذكر بعض المعاصرين أنّ الربا الذي تمارسه كثير من البنوك والمؤسسات المالية في الوقت الحاضر أنه أسوأ من ربا الجاهلية؛ لماذا؟ لأن أهل الجاهلية كانوا يقرضون نقودًا فعلية وهي الدنانير الذهبية والدراهم الفضية، أما المؤسسات المالية التي تتعامل بالربا في الوقت الحاضر، فإنها تقرض ما لديها من ودائع للآخرين، وتأخذ عليها فوائد ربوية، ثم إن أهل الجاهلية كانوا يأخذون الفوائد في نهاية المدة، أو مقسطة على أقساط شهرية، وأما البنوك والمؤسسات المالية التي تتعامل بالربا تحسب الفائدة وتخصمها من البداية، قبل أن يأخذ المقترض القرض، فمثلًا إقراض مائة ألف بفائدة عشرين في المائة، تجد أن هذا البنك الذي يتعامل بالربا، يخصم الفائدة أولًا ويعطي المقترض ثمانين ألفًا فقط، والواقع أنه لم يقرضه إلا ثمانين بفائدة عشرين، أي: أن الفائدة في الواقع يعني أكبر مما يعلن من الناحية العملية.
    إذًا المقصود أن ما تمارسه الآن بعض البنوك والمؤسسات المالية من الربا، هو في الحقيقة موجود، وهو الربا الموجود لدى الناس في الجاهلية، وهو الربا الذي قد نزل القرآن الكريم بتحريمه، نظرة الإسلام لبعض العقود تختلف اختلافًا جذريًّا عن نظرة كثير من البنوك والمؤسسات المالية في الوقت الحاضر، فمثلًا على سبيل المثال، ونحن نتكلم عن ربا القروض أو ربا الديون، نقول: إن الإسلام ينظر للقرض على أنه عقد من عقود الإرفاق والإحسان بين الناس؛ ولذلك حرّم انتفاع المقرض بالقرض؛ لأن هذا الانتفاع يخرج القرض عن موضوعه الأصلي، وهو الإرفاق والإحسان، ويصبح يراد به المعاوضة والربح، يعني: صورة القرض في الأصل هي صورة ربوية، كون أني مثلًا أقول: هذه عشرة آلاف ريال أسلفك عشرة آلاف ريال على أن تردها لي بعد سنة عشرة آلاف ريال دون زيادة، هذه في الأصل صور ربوية؛ لماذا؟ لعدم التقابض، لكن الإسلام أجاز هذه الصورة، صورة القرض الذي يسميه الناس السلف، وقد ورد تسمية السلف في بعض الأحاديث هذا القرض الذي هو السلف أجازه الإسلام إذا كان يقصد به الإرفاق والإحسان بين الناس، تشجيعًا للناس على هذا العمل النبيل، على الإرفاق والإحسان فيما بينهم، فإذا أصبح هذا القرض لا يراد به الإرفاق والإحسان، وإنما يراد به الربحية والمعاوضة، رجع القرض إلى صورته في الأصل، وهو أن الصورة صورة ربوية، وهذا معنى قول العلماء: كل قرض جر نفعًا فهو ربا، كثير من المؤسسات المالية في الوقت الحاضر المرتبطة بما يسمى بالنظام الاقتصادي العالمي، تنظر للقرض على أنه وسيلة من وسائل الاستثمار، وتحقيق الأرباح؛ ولذلك فإن الإقراض بفائدة يعتبر من أبرز أعمال كثير من المصارف في العالم في الوقت الحاضر، لكن الإسلام ينظر لهذا على أنه من الربا المحرم، ومن الموبقات، وأنه لا يجوز للإنسان أن يقرض قرضًا وإنما المقصود بالقرض هنا السلف ويسترده بأكثر منه.

إذًا ربا القروض أو ربا الديون، قلنا: إنه من صور ربا الجاهلية، وأجمع العلماء على تحريمه، وقد حكى الإجماع على ذلك ابن منذر وابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله تعالى على الجميع، والقرض بفائدة هذا، أو ربا القرض، أصدرت الكثير من الهيئات العلمية والمجامع الفقهية قرارات بتحريمه، وأنه لا يجوز أخذ زيادة على القرض، ومن ذلك مثلًا مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي، أصدر قرارًا وجاء في القرار أن كل زيادة في القرض يأخذها المقرض من المقترض أنها محرمة، وبذلك نعرف أن من أقرض قرضًا، فلا يجوز له أن يسترد أكثر مما دفع، لكن هنا أنبه على مسألة، وهي أن بعض الناس في الوقت الحاضر يسمون البيع قرضًا، فيقول: ذهبت وأخذت قرضًا من البنك، وهل هذه التسمية تسمية صحيحة؟ يعني العامة ربما أنهم يعذرون في هذا بالجهل، لكن المتخصصين أمثال الطلاب الذين يدرسون هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، فحقيقة لا نعذرهم بالجهل في هذه المسألة، أو في التعبير بهذا المصطلح.

أنتم أيها الطلاب تدرسون هذه المادة مادة عقود المعاوضات المالية، وستدرسون أيضًا مادة عقود الاستيثاق والارتفاق، لا بد من أن تفرقوا بين مصطلح القرض وبين مصطلح البيع بأجل، فالقرض إذا أُطلق، فالمقصود به دفع مال لمن ينتفع به، ويرد بدله، وهو الذي يسمى بالسلف، يسميه الناس بالسلف، أعطيك عشرة آلاف تردها لي عشرة آلاف، هذا هو القرض، وهذا هو الذي يجب فيه التماثل، يعني عندما أعطيك عشرة آلاف، ردها لي عشرة آلاف، يعني رددتها لي مثلًا عشرة آلاف وخمسمائة، كان هذا ربا ومحرمًا، هذا هو القرض، وهذا يعني الذي يسمى قرضًا وهو الذي عنيناه بقولنا: ربا القروض، لكن عندما يذهب الإنسان لبنك مثلًا، ويشتري منه سلعة بالتقسيط، يقسطها البنك عليه ويبيعها هو، أو يوكل من يبيع له هذه السلعة، هذا لا يسمى قرضًا هذا في الحقيقة بيع وشراء، فتعبير بعض الناس يقول: أخذت من البنك قرضًا هذا ليس قرضًا، وإنما التعبير الصحيح هو أن يقول: اشتريت سلعة من البنك بطريق التورق مثلًا، أو بطريق المرابحة، فيعبر بالشراء لأن هناك فرقًا كبيرًا بين البيع والشراء، وبين القرض؛ ولهذا فيعني بينهما فرق كبير، فانتبهوا لهذه المصطلحات التي ربما تجري على بعض الألسنة، وربما حتى أن المفتي يفتي على أن هذا قرض، وأن القرض يجري فيه الربا، فيفتيه بناء على كلامه، لكن في الحقيقة أن تسمية الناس للبيع بالتقسيط تسميته قرضًا هذه تسمية غير دقيقة، وهذي تسمية غير صحيحة.

هذه نبذة عن ربا الديون أو ربا القروض، ولعلكم أيضًا إن شاء الله تعالى في مادة عقود الاستيثاق والارتفاق، تدرسون أحكام القرض بالتفصيل إن شاء الله تعالى، ويعني تعرفون حكمه وأقسامه يعني أيضًا حكم الزيادة فيه، حكم الزيادة في القرض، وهو أنه ليس كل زيادة محرمة، الزيادة المحرمة هي الزيادة المشروطة، كما ذكرنا يعني من صور ربا القروض نحن قلنا: اشتراط الزيادة في أصل العقد، فتكون الزيادة زيادة مشروطة، أو زيادة بعد ما يحل الدين، إن كان غير قرض أو عندما يريد المقترض استيفاء قرضه، فيقول له: ما عندي شيء، ولكن أنظرك وأزيدك، فهذا أيضًا صورة من صور ربا القرض، هذه الزيادة هي الزيادة المحرمة في القرض، لكن لو أن المقترض بذل للمقرض زيادة عند الوفاء، من غير شرط ولا عرف، فإن هذا لا بأس به، ويعتبر هذا من حسن التقاضي، فلو أن رجلًا أقرض رجلًا عشرة آلاف ريال، وعندما أراد أن يردها رد عليه عشرة آلاف ريال وهدية، أو رد عليه عشرة آلاف ريال مثلًا وخمسمائة من غير اشتراط هذه الزيادة، ولم يكن هناك عرف قائم، فإن هذه الزيادة لا بأس بها، بل مندوب إليها، وتعتبر من حسن القضاء؛ ولذلك لما استسلف النبي رجلًا بكرًا، فأتى الرجل يتقاضاه بكرًا، قال: أعطوه فلم يجدوا إلا خيارًا رباعيًا، قال: أعطوه سنًّا خيرًا من سنه؛ فإن خير الناس أحسنهم قضاء [6]، هذا إذا وقعت الزيادة من غير شرط، ومن غير عرف، أما إذا وقعت بشرط أو بعرف موجود، فإن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا، فإن هذا لا يجوز ويدخل في ربا القروض، أو ما يسمى بربا الديون.

هذا ما تيسر عرضه في هذه المحاضرة، ونستكمل إن شاء الله تعالى الحديث عن بقية المسائل في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
^1 رواه مسلم: 1587.
^2 رواه مالك في الموطأ، رواية محمد بن الحسن: 782.
^3 رواه أبو داود: 3357، والحاكم في المستدرك 2340، والطبراني في المعجم الكبير: 155، والدارقطني: 3052، والبيهقي في السنن الكبرى: 10528.
^4 رواه أبو داود: 3355.
^5 رواه أبو داود: 3688، وابن ماجه: 3384 والنسائي في السنن الكبرى: 5148، وأحمد: 18073.
^6 رواه مسلم: 1600.
مواد ذات صلة