عناصر المادة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله وخليله نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذه هي المحاضرة العشرون من هذه المادة، مادة عقود المعاوضات المالية، وكنا قد وصلنا في مفردات المنهج إلى عقود التوريد.
عقود التوريد
سوف أتحدث معكم في هذه المحاضرة إن شاء الله تعالى عن عقود التوريد، وقد ألمحت في آخر المحاضرة السابقة إلى أن السلَم يمكن أن يكون له تطبيقات معاصرة عن عقود التوريد، ووعدت بأن أتحدث عن هذه التطبيقات في هذه المحاضرة.
تعريف عقود التوريد
لعلي أبدأ أولًا بتعريف عقود التوريد، والمقصود بعقود التوريد، أو عقد التوريد: أن يتعهد شخص بتوريد أو تسليم سلع معلومة إلى آخر بصفة دورية، خلال فترة معينة، مقابل مبلغ مالي.
التعريف مرة أخرى: أن يتعهد شخص بتوريد سلع معلومة إلى آخر بصفة دورية، أو خلال فترة معينة، مقابل مبلغ مالي.
مثال ذلك أن يتفق صاحب معرض سيارات مع آخر على أن يقوم بتوريد السيارات وفق مواصفات معينة. ومعلوم أنَّ هذا الشخص المتعهد بالتوريد لا يملك تلك السلع، فإذا تعاقد معه المستورد، فيكون هذا المُورِّد قد باع ما لا يملك، أو أنه مثلًا صاحب محل أو مؤسسة يتفق مع مُورِّد على توريد سلع معينة بمواصفات معينة، هذا المُورِّد لا يملك هذه السلع، وإنما سوف يقوم بشرائها، وهنا إذا تعاقد مع صاحب هذا المحل قد باع ما لا يملك.
وهذه الإشكالية الكبيرة يقع فيها كثير من الناس، كثير ممن يتعاملون بالتجارة ترد عليهم هذه الإشكالية، ويتعاملون مع موردين يوردون لا يملكون السلع، فكيف يكون المخرج الشرعي من هذه الإشكالية؟
نقول: أولًا: إذا كان سوف يعقد على سلعة لا يملكها المورد، فإنه لا يجوز، يعني أولًا نبيَّن الصورة الممنوعة، هي أن يعقد المورد مع المستورد عقد توريد والسلعة المطلوبة لا تتطلَّب صناعة، أو أنها تتطلَّب صناعة، لكنها قد صُنعت وعرضت للبيع، فإذا أبرم المورد مع المستورد عقد توريد، فإنه يكون في هذه الحال قد باع ما لا يملك، ثم إنها تدخل أيضًا في مسألة الكالئ بالكالئ المنهي عنه، يعني بيع الدين بالدين، وهذه الصورة الممنوعة في الحقيقة صورة مشتهرة في الوقت الحاضر لدى كثير من الناس.
مخارج شرعية للاستيراد
طيب ما هي البدائل؟ ما هي المخارج الشرعية لهذا؟ شخص عنده محل أو مؤسسه ويريد أن يستورد شرعًا، كيف يمكنه أن يستورد بطريقة ليس فيها محظور شرعي؟
أقول: هناك عدة مخارج:
- أولًا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب صناعة، فلا بأس أن يعقد المورد مع المستورد عقد استصناع، وسيأتينا إن شاء الله تعالى الحديث عن عقد الاستصناع، لا بأس أن يعقد المورد مع المستورد عقد استصناع بتوريد سلعة تتطلب صناعة في الداخل أو الخارج مطلقًا.
مثال ذلك يتفق المستورد الذي هو صاحب المحل مع المورد، على أن يُورِّد له سلعة، وهذه السلعة سوف تستصنع هذه السلعة، هذا هو عقد الاستصناع، يعني يقول لي: أريد منك أن تصنعوا لي هذا الشيء بهذه المواصفات، هذا عقد استصناع، ولا بأس به، سواء سَلَّم له جميع الثمن أو بعضه، أو حتى لم يُسلِّم له شيء عند العقد، فالأمر في هذا فيه سعة، إذا كانت السلعة ستتصنع، فكان الاتفاق الآن بين المستورد والمُورِّد على تصنيع سلعًا معينة، هذه لا إشكال فيها. - ثانيًا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة لا تتطلب صناعة، وهي موصوفة في الذمة، ويلتزم المورد بتسليمها عند حلول الأجل، فهذا يمكن اعتباره سلمًا، لكن بشرط أن يعجل جميع الثمن للمورد عند العقد، يعني يُسلّم له، ينقد له جميع الثمن، مع مراعاة شروط السّلَم الأخرى، فهذا يكون سَلَمًا.
مثال ذلك: اتفق شخص مع آخر على أن يورد له سلعًا معينة بمائة ألف ريال، طبعًا المُورِّد لن يصنع السلع سوف يذهب ويشتريها من بلد آخر، أو نقول مثلًا بعشرة ملايين، يعني غالبًا في عقود التوريد تكون مبالغ كبيرة بعشرة ملايين مثلًا، فلا بد من أن ينقد المستورد عشرة ملايين لهذا المُورِّد في مجلس العقد، لا بد؛ لماذا؟ حتى يكون سلمًا إذا أراد أن يكون سلمًا فنحن ذكرنا في المحاضرة السابقة أنه من شروط صحة السلَم قبض الثمن في مجلس العقد، قبض رأس المال في مجلس العقد، فنقول: حتى تكون هذه المعاملة سلمًا، فلا بد من أن ينقد له جميع الثمن، فإذا كان مثلًا قيمة عقود التوريد هذه عشرة ملايين، ينقد له عشرة ملايين في مجلس العقد، وإلا لا يصح أن يكون سلمًا، وذكرنا رأي المالكية في المسألة، وهو أنه يجوز التأخير لمدة ثلاثة أيام فقط، وأن هذا الرأي اعتمده مجمع الفقه الإسلامي الدولي. فيتسامح في حدود ثلاثة أيام فقط.
لكن لا بد من نقد جميع الثمن، فهذا إذًا مخرج آخر من المخارج الجائزة، لكن هذا المخرج الحقيقة يعني كثيرًا من الناس لا يرغب فيه؛ لماذا؟ لأن نقد جميع الثمن في مجلس العقد فيه صعوبة، وربما تأتي مسألة عدم الثقة، يعني: وأنه ربما لو نقد له جميع الثمن، فربما أن الشخص المورد، لا يفي بالعقد، ونحو ذلك.
فيعني من الناحية العملية كثير من الناس لا يحبذ هذا المخرج، لكنه يبقى مخرجًا من المخارج الشرعية، وربما أن ظروف مؤسسة أو شركة ما يكون لها هذا المخرج هو المخرج أو الخيار الأفضل، فنحن نذكر جميع ما يمكن من البدائل والمخارج الشرعية. - أيضًا من المخارج في هذا أن يكون الاتفاق بين المُورِّد وبين المستورِد الذي هو صاحب المحل على سبيل الوعد غير الملزم، على سبيل الوعد غير الملزم، كيف على سبيل الوعد غير ملزم؟ يعني يبدي المستورِد للمُورِّد، الرغبة في سلعة معينة، ويعده وعدًا غير ملزم بأنه إذا ورَّد هذه السلعة سوف يشتريها منه، ولا يكون بينهما عقد، وإنما وعد غير ملزم للطرفين، فيقوم المورِّد باستيراد السلعة المرادة، ثم يبيعها على المستورِّد بعد ذلك، هذه الصورة لا بأس بها، إذا هذه الصورة لا بأس بها، وتدخل في بيع المرابحة للآمر بالشراء، وسبق أن قلنا: إنَّ بيع المرابحة للآمر بالشراء أنه يجوز بشرطين:
- الشرط الأول: أن يكون اتفاق مبدئي بين الطرفين على سبيل الوعد غير الملزم.
- والشرط الثاني: أن يتملك المورد السلعة، ويقبضها قبضًا تامًا، ثم يبيعها على المستورِد.
إذًا إذا أردنا أن نلخِّص ما سبق ونحصر الصور، فهي أربع صور:
- صورة ممنوعة وهي أن يعقد المورِّد مع المستورِّد عقد توريد والسلعة المطلوبة لا تتطلب صناعة، أو تتطلب صناعة، لكنها قد صُنعت وعُرضت للبيع، فيبرم المورِّد مع المستورِّد عقد توريد، فهذه الصورة، قلنا: إنها ممنوعة، ولا تجوز؛ لماذا؟ المورِّد قد باع ما لا يملك.
- الصورة الثانية: من الصور الجائزة، وهي أن يعقد معه عقد استصناع بأن تكون السلعة مما يستصنع، فيتفق المستورِد مع المورِّد على تصنيع سلع معينة له، هذه جائزة مطلقًا سواء سلّم جميع الثمن، أو بعضه، أو أخّر تسليم الثمن، هذه جائزة مطلقًا، وتكيف على أنها عقد استصناع.
- الصورة الثالثة: أنَّ المستورِد ينقد الثمن كاملًا للمورِّد في مجلس العقد، على أن يورِّد له سلعًا معينة في وقت معين، يُسمّى سلَمًا، وتنطبق عليه أحكام السلَم، ولا بأس بهذه الصورة؛ لكونها سلَم، والسلَم كما سبق جائز بالإجماع.
- الصورة الرابعة: أن يعد المورِّد المستورِد وعدًا غير ملزم، نعم، يكون هناك غير ملزم بين المورِّد والمستورِد، فيعد هذا المستورِد المورِّد بأنه إذا ورد له سلعًا على مواصفات معينة سوف يشتريها منه، يكون هناك وعد غير ملزم؛ لماذا قلنا وعدًا غير ملزم؟ لأن الوعد الملزم بمثابة العقد تمامًا، وإذا عقد معه عقدًا يكون المورِّد قد باع ما لا يملك، فتحاشيًا لهذا المحظور، نقول: يعد المستورِد صاحب المحل صاحب المؤسسة صاحب الشركة يعد هذا المورِّد بأنه إذا ورَّد له سلعًا على مواصفات معينة أنه سوف يشتريها منه، فهذا لا بأس به؛ لأنه وعد غير ملزم، ولا يقال: إنه قد باع ما لا يملك، لم يجر بينهما بيع، ولم يجر بينهما عقد، وإنما وعد غير ملزم بأنه إذا ورد له هذه السلع على هذه المواصفات، سوف يشتري منه هذه السلع؛ ولهذا نقول للإخوة الذين يتعاملون بالتجارة ممن يستوردون سلعًا، وبضائع نقول: ينبغي لهم أن يتفقهوا في هذه المسألة؛ لأن الواقع أن فيها إشكالات كثيرة، وكثير من الناس يقع في المحظور الشرعي من حيث لا يشعر، إما جهلًا، وإما تساهلًا، فنقول: كونك تعقد مع المورد عقد توريد مباشرة، وهذا المورد لا يملك السلعة، وليست مما يستصنع هذا لا يجوز.
قرار مجمع الفقه الإسلامي بعقود التوريد
البدائل كما ذكرنا اختر واحدًا من البدائل التي ذكرنا، إما أن تعقد معه عقد سلَم، وإما أن يكون على سبيل الوعد غير الملزم، أو أن السلعة تكون مما يستصنع، فيقوم هذا المورِّد بتصنيعها لك، ما عدا ذلك فإنه لا يجوز، وبنحو هذا صدر قرار مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي؛ وذلك في دورته الثانية عشرة، وجاء في القرار، يعني هو خص عقود التوريد بقرار مع المناقصات، جاء في القرار:
- أولًا تعريف عقد التوريد بأنه عقد يتعهد بمقتضاه طرف أول بأن يسلم سلعًا معلومة مؤجلة بصفة دورية خلال فترة معينة لطرف آخر، مقابل مبلغ معين مؤجل كله أو بعضه، هذا هو تعريف عقد التوريد.
- ثانيًا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب صناعة، فالعقد استصناع تنطبق عليه أحكامه، يعني تنطبق عليه أحكام الاستصناع، هذا إذا كان محل عقد التوريد سلعة تتطلب صناعة يعني سوف تصنع.
- ثالثًا: إذا كان محل عقد التوريد سلعة لا تتطلب صناعة، وهي موصوفة في الذمة، يلتزم بتسليمها عند الأجل، فهذا يتم بإحدى الطريقتين.
- أن يعجّل المستورِد الثمن بكامله عند العقد، فهذا عقد يأخذ حكم السلم، فيجوز بشروطه المعتبرة شرعًا، إذًا إذا عجّل المستورد الثمن كاملًا عند العقد، فهذا عقد سلف.
- إن لم يعجّل المستورد الثمن بكامله عند العقد، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه مبني على المواعدة الملزمة بين الطرفين، وقد صدر قرار المجمع الفقهي المتضمن بأن المواعدة الملزمة تشبه العقد نفسه، فيكون البيع هنا من بيع الكالئ بالكالئ، وأما إذا كانت المواعدة غير ملزمة لأحد الطرفين، أو لكليهما، فتكون جائزة على أن يتم البيع بعقد جديد، أو بالتسليم.
هذا هو قرار المجمع الفقهي في عقود التوريد، ونلاحظ هنا أن عقود التوريد أنها تتناول عقد السلم، وتتناول البيع، وتتناول الاستصناع، فهو يدخل فيها عقود أكثر من عقد، يدخل فيها أكثر من عقد، يدخل فيها بيع المرابحة بالشراء، ويدخل فيها السلم، ويدخل فيها البيع، وكل هذه يعني قد بينا أحكامها، وبينا الصورة الممنوعة، والصورة الجائزة.
بهذا نكون قد انتهينا من الكلام عن عقود التوريد.
عقد الإجارة
ننتقل بعد ذلك للكلام فيما تبقى من وقت هذه المحاضرة للكلام عن عقد الإجارة، ولعلنا نأخذ منها ما تيسر، ونكمل الحديث في محاضرة قادمة، لكن لعلنا نأخذ على الأقل التعريفات، وبعض الأدلة الدالة على المشروعية.
فأقول في عقد الإجارة: هذا العقد من العقود المهمة التي تتكرر في حياة الناس، وفي تعاملاتهم اليومية والشهرية والسنوية؛ ولهذا فهو جدير بالتعرف على أحكامه؛ إذ ما من تعامل يجري بين الناس إلا وهو محكوم بالشريعة الإسلامية وفق ضوابط شرعية ترعى المصالح، وترفع المضار.
تعريف الإجارة
الإجارة مشتقة من الأجر، وهو العوض، ومنه قول الله تعالى عن موسى عليه السلام: لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا [الكهف:77]، يعني عوضًا، ومنه سمي الثواب أجرًا، فتدور مادة الأجر حول معنى العوض.
تعريف الإجارة اصطلاحًا:
عرفت بعدة تعريفات، ومن أبرز التعاريف تعريف صاحب الروض وهو بين يدي الآن: “عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة، أو موصوفة بالذمة، مدة معلومة، أو عمل معلوم بعوض معلوم”، هذا تعريف البهوتي في الروض المربع، وهو أحد مراجع هذه المادة.
البهوتي عرف الإجارة فقال: “هي عقد على منفعة مباحة معلومة من عين معينة، أو موصوفة في الذمة، مدة معلومة، أو عمل معلوم بعوض معلوم”.
هذا في المجلد السابع صفحة ثمانين، طيب لو أتينا للتعريف، فنجد أن هذا التعريف في الحقيقة مشتمل على غالب شروط صحة الإجارة.
- فقوله في التعريف: “عقد على منفعة”: يخرج به العقد على العين فلا يسمى إجارة، وإنما يسمى بيعًا؛ والحقيقة أن الإجارة هي نوع من البيع؛ لكنها بيع منافع، فالعقد على العين يُسمى بيعًا، والعقد على المنفعة يسمى إجارة.
- “مباحة”: مباحة يخرج به العقد على المنفعة المحرمة.
- قولة: “معلومة” يخرج به العقد على المنفعة المجهولة، فإنه لا يصح العقد عليها.
أنواع الإجارة:
- “من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو عمل معلوم” يؤخذ منه أن الإجارة على نوعين:
- النوع الأول: أن تكون الإجارة على منفعة عين معينة، أو عين موصوفة في الذمة، مثال معينة: آجرتك هذه الدار، مثال موصوفة: آجرتك سيارة صفتها كذا، من نوع كذا.
- النوع الثاني: أن تكون الإجارة على أداء عمل معلوم، كأن يستأجر سيارة أجرة لحمله إلى مكان معين.
- وقوله: “مدة معلومة” يشترط في النوع الأول وهو الإجارة على المنفعة، أن يكون لمدة معلومة محددة كيوم أو شهر أو سنة مثلًا.
- وقوله في التعريف: “بعوض معلوم” أي: لا بد من أن يكون مقدار الإجارة معلومًا.
وبهذا يتضح أن مجمل شروط الإجارة بنوعيها أن يكون عقد الإجارة على المنفعة لا على العين، وأن تكون المنفعة مباحة، وأن تكون معلومة، وإذا كانت غير معينة، فلا بد أن تكون مما ينضبط بالوصف، وأن تكون مدة الإجارة معلومة، وأن يكون العوض في الإجارة معلومًا، هذا هو معنى الإجارة، وعليه عمل الناس من قديم الزمان، يعني من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا.
حكم الإجارة
والإجارة جائزة بالكتاب والسنة والإجماع.
- أما من الكتاب فيدل لجوازها قول الله تعالى: فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ [الطلاق:6].
- ومن السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: قال الله تعالى ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، ومن كنت خصمه فقد خصمته ومنهم: رجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره [1]، هذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه،
- وقد أجمع العلماء على الإجارة.
من المعنى الإجارة هي وسيلة التيسير على الناس في الحصول على ما يبتغونه من المنافع التي لا ملك لهم في أعيانها، والحاجة إلى المنافع في الحقيقة كالحاجة إلى الأعيان، الفقير محتاج إلى مال الغني، والغني محتاج إلى عمل الفقير، ومراعاة حاجة الناس أصل في جواز العقود، هذا رجل قد احتاج إلى مثلًا سكنى دار، ولا يجد ما يشتري به دارًا، فهنا يمكن أن يشتري المنفعة لمدة شهر، أو لمدة سنة مثلًا، فهذا عن طريق الإجارة يستأجر هذا العقار لمدة معينة، فينتفع هو بسكنى هذه الدار هذه المدة المعينة، وينتفع صاحب الدار بالأجرة، ففيها منفعة للطرفين.
من العلماء من قال: إن الإجارة على خلاف القياس؛ لأنها بيع للمعدوم، وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمه الله تعالى وجمع من أهل العلم إلى أن الإجارة على وفق القياس، وإن بيع المعدوم الذي أبطلته الأدلة هو الوارد على الأعيان التي يمكن أن توجد عند التعاقد، وأما الإجارة فإنها ترد على منافع يتعذر وجودها عند التعاقد؛ ولهذا فالصحيح أن الإجارة على وفق القياس، وليست على خلاف القياس، يعني مقصود وفق القياس أو خلاف القياس يعني قياس الأصول والقواعد الشرعية، يعني هل الإجارة على خلاف قياس الأصول، وعلى خلاف قياس القواعد الشرعية، وأنها مستثناة من القواعد؟
نقول: الصحيح أنها ليست مستثناة، وأنها على وفق القياس، وليست على خلاف القياس، مع اتفاق الجميع على جوازها، لكن يبقى النظر والبحث هل هي على وفق القياس أو على خلاف القياس؟
الصحيح: أنها على وفق القياس، وأن بيع المعدوم الذي أبطلته الأدلة هو الوارد على الأعيان التي يمكن أن توجد عند التعاقد، وأما الإجارة فإنها ترد على منافع يتعذر وجودها عند التعاقد.
شروط صحة الإجارة
ننتقل بعد ذلك لبعض المسائل المتعلقة بالإجارة، وهي شروط صحة الإجارة، تصح الإجارة بشروط قبل أن نأتي إلى هذه الشروط، يعني يراد أن نعرف أركان الإجارة المؤجر والمستأجر والعين المستأجرة والصيغة.
أما الشروط فلعلنا نرجئ الحديث عنها للمحاضرة القادمة؛ لأنه لم يتبق من وقت هذه المحاضرة إلا قليل؛ لكن هذه الذي ذكرت هي أركان الإجارة.
أركان الإجارة
- المؤجر يعني المالك لهذه العين المؤجرة.
- والمستأجر هو الذي يريد الانتفاع بهذه العين المؤجرة.
- والعين المؤجرة هي محل العقد.
- والصيغة: تنعقد الإجارة بكل ما دل عليها من قول أو فعل.
والإجارة كما ذكرت هي نوع من البيع، هي بيع منافع في الحقيقة، وسبق أن ذكرنا في أول محاضرة من المحاضرات التي ألقيت في هذه المادة، ذكرنا قاعدة أن العقود تنعقد بكل ما دل عليها من قول أو فعل، ونقلنا من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يدل لهذا، إن العقود كلها ومنها عقد الإجارة تنعقد بكل ما دل عليها من قول أو فعل، وبذلك نقول: إن الإجارة تنعقد بكل ما دل عليها من قول أو فعل، فهي كالبيع تمامًا، بل إنها نوع من البيع؛ إذ إنها بيع منافع، الكلام عن شروط صحة الإجارة، وأنواع الإجارة، وما يتعلق بها من مسائل وأحكام، سوف نتناوله في المحاضرة القادمة إن شاء الله تعالى.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحاشية السفلية
^1 | رواه البخاري: 2227. |
---|