عناصر المادة
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[آل عمران: 102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء: 1]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب: 70، 71].
قصة حادثة الإفك
عباد الله
نقفُ في هذه الخطبة وقفاتٍ يسيرةً مع قصةٍ عظيمةٍ مليئةٍ بالدروس والعظات للمؤمنين، أنزل الله في شأنها قرآنًا يُتلى إلى قيام الساعة؛ هذه القصة تُبين عظيم حرمة المؤمن عند الله ، لا سيما إن كان من أهل الخير والصلاح، وتُبين عظيم خطر اللسان، وأهمية شأن الكلمة التي يُطلقها الإنسان، وتُبين خطر النفاق والمنافقين وعظيم ضررهم على المسلمين.
إنها قصة الإفك التي أنزل الله تعالى في شأنها عشر آياتٍ من كتابهِ الكريم في سورة النور؛ جاء في “الصحيحين” عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله إذَا أرَادَ سَفَرًا أقْرَعَ بين نسائه؛ فأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا، خَرَجَ بها معه، وإنه أقْرَعَ بيْنَنَا في غَزَاةٍ، فَخَرَجَ سَهْمِي، فَخَرَجْتُ معه بَعْدَمَا أُنْزِلَ الحِجَابُ، وأنَا أُحْمَلُ في هَوْدَجٍ وأُنْزَلُ فِيهِ، فَسِرْتُ حتَّى إذَا فَرَغَ رَسولُ اللَّهِ مِن غَزْوَتِهِ تِلْكَ وقَفَلَ (أي: رجع)، ودَنَوْنَا مِنَ المَدِينَةِ؛ آذَنَ لَيْلَةً بالرَّحِيلِ، فَقُمْتُ حِينَ آذَنُوا بالرَّحِيلِ، حتَّى جَاوَزْتُ الجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ من شَأْنِي أقْبَلْتُ إلى الرَّحْلِ، فَلَمَسْتُ صَدْرِي، فَإِذَا عِقْدٌ لي قَدِ انْقَطَعَ، فَرَجَعْتُ ألتَمِسُه، فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ، وأقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كانوا يُرَحِّلُونَنِي، فَاحْتَمَلُوا الهَوْدَجَ، فَرَحَلُوهُ علَى بَعِيرِي وهُمْ يَحْسِبُونَ أنِّي فِيهِ، وكانَ النِّسَاءُ إذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُثْقِلْهُنَ اللَّحْمُ، وإنَّما كنَّا نأكلُ العُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ؛ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ القَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ خفةَ الهَوْدَجِ فحملوه، وكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ، فَبَعَثُوا الجَمَلَ وسَارُوا، فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وليسَ فيه أحَدٌ منهم، فتيمَّمْت (أي: قصدت) منزلي، وظَنَنْتُ أنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَنِي فَيَرْجِعُونَ إلَيَّ.
تقول عائشة رضي الله عنها: “فَبيْنَما أنَا جَالِسَةٌ، غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ، وكانَ صَفْوَانُ بنُ المُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ قد نزل مِن ورَاءِ الجَيْشِ فأدْلَجَ (أي: سار من آخر الليل)، فأصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي، فَرَأَى سَوَادَ إنْسَانٍ نَائِمٍ، فأتَانِي فعرفني حين رآني؛ وكانَ قد رآني قَبْلَ الحِجَابِ، فَاسْتَيْقَظْتُ باسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عرفني، فخمرت وجهي بجلبابي، والله ما كلمني بكلمةٍ، ولا سمعت منهُ كلمةً غير استرجاعه.
وهَوَى حتى أنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ على يَدِهَا، فقمت إليها فَرَكِبْتُهَا، فَانْطَلَقَ يَقُودُ بيَ الرَّاحِلَةَ حتَّى أتَيْنَا الجَيْشَ مُوغِرِين في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وهم نُزُولٌ.
قالت عائشة رضي الله عنها: فَهَلَكَ مَن هَلَكَ، وكانَ الذي تَوَلَّى كِبْرَ الإفْكِ عبدُاللَّهِ ابنُ سَلُولَ (أي: أنه قذف أم المؤمنين رضي الله عنها، بالزنا مع صفوان بن المعطَّل السُّلَمي)، وعائشةُ رضي الله عنها لا تدري.
تقول عائشة رضي الله عنها: فَقَدِمْنَا المدينَةَ، فَاشْتَكَيْتُ بهَا شَهْرًا (أي: مرضت)، والنَّاسُ يُفِيضُونَ في قَوْلِ أصْحَابِ الإفْكِ، ولا أشعر (وهذا من حكمة الله ؛ إذ إنها لو كانت تعلم طيلة هذه المُدة لهلكت).
تقول عائشة رضي الله عنها: وهو يَرِيبُنِي (أي: يجعلني أشك وأرتاب) أنِّي لا أرَى مِنَ النبيِّ اللُّطْفَ الذي كُنْتُ أرَى منه حِينَ أشتكي (أي: حينما أكون مريضةً، كنت أرى منه اللطف والاهتمام، وهذه المرة لم ترَ منه هذا اللطف والاهتمام)، وإنَّما يَدْخُلُ فيُسَلِّمُ عليَّ ثُمَّ يقولُ: كيفَ تِيكُمْ؟ ثم ينصرف، فذلك الذي يَرِيبُني منه ولا أشعر بالشر، حتى نَقَهْتُ (أي: شُفيت من مرضي).
تقول عائشة رضي الله عنها: فَخَرَجْتُ أنَا وأُمُّ مِسْطَحٍ (وابنها هو مِسْطَحُ بنُ أُثَاثَةَ؛ أحد الذين تكلموا في الإفك) قِبَلَ المَنَاصِعِ، وهو مُتَبَرَّزُنَا، وكنا (يعني: النساء) لا نَخْرُجُ إلَّا لَيْلًا قَبْلَ أنْ يتخذ الناس الكُنُفَ (أي: بيوت الخلاء)، حتى إذا فرغنا من شأننا نمشي، عَثَرَتْ أم مسطحٍ، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ، فَقُلتُ لَهَا: بئْسَ ما قُلْتِ، أتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا، فَقَالَتْ: يا هَنْتَاهْ، ألَمْ تَسْمَعِي ما قال؟! قلت: وما قال؟ فأخْبَرَتْنِي بقَوْلِ أهْلِ الإفْكِ، فَازْدَدْتُ مَرَضًا إلى مَرَضِي، فَلَمَّا رَجَعْتُ إلى بَيْتي دَخَلَ رَسولُ اللَّهِ ، فَقَالَ: كيفَ تِيكُمْ؟ فَقُلتُ: ائْذَنْ لي أن آتيَ أبَوَيَّ، وأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أنْ أسْتَيْقِنَ الخَبَرَ مِن قِبَلِهِمَا، فأذِنَ لي، فأتَيْتُ أبَوَيَّ فَقُلتُ لِأُمِّي: يا أمَّاهُ! ماذا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ به؟ فَقَالَتْ: يا بُنَيَّةُ هَوِّنِي علَى نَفْسِكِ، فَوَاللَّهِ لَقَلَّما كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا ولَهَا ضَرَائِرُ، إلَّا أكْثَرْنَ عَلَيْهَا، فَقُلتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ! لقَدْ تَحَدَّث النَّاسُ بهذا؟! قَالَتْ عائشة: فبكيت تِلكَ اللَّيْلَةَ حتَّى أصْبَحْتُ لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، (أي: أنها طيلةَ الوقت لا تأكل ولا تشرب ولا تنام، إنما طيلة وقتها تبكي) قالت: ثُمَّ أصْبَحْتُ أبكي، قالت: ودَعَا رَسولُ اللَّهِ عَلِيَّ بنَ أبِي طَالِبٍ، وأُسَامَةَ بنَ زَيْدٍ، حِينَ اسْتَلْبَثَ الوَحْيُ، يَسْتَشِيرُهُما في فِرَاقِ أهْلِهِ، فأمَّا أُسَامَةُ، فأشَارَ عليه بما يَعْلَمُ من براءةِ أهلِه، وبالذي يعلمُ مِنَ الوُدِّ لهمْ، فَقَالَ أُسَامَةُ: هم أهْلُكَ يا رَسولَ اللَّهِ، ولَا نَعْلَمُ عنهم إلَّا خَيْرًا.
وأَمَّا عَلِيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ! لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ، النِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وسَلِ الجَارِيَةَ تُخبِرْك، فسأل النبي الجارية: هلْ رَأَيْتِ منها شيئًا يَرِيبُكِ؟ قَالَتْ: لا والذي بَعَثَكَ بالحَقِّ نبيًّا، إنْ رَأَيْتُ منها أمْرًا أغْمِصُهُ (يعني: أعيبه عليها) أكْثَرَ مِن أنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ، تَنَامُ عَن عجين أهلها، فَتَأْتي الدَّاجِنُ [1]. فَتَأْكُلُهُ.
قالت: فَقَامَ رَسولُ اللَّهِ مِن يَومِهِ، واسْتَعْذَرَ مِن المنافق ابن أُبَيٍّ، فَقَالَ وهو على المنبر: مَن يَعْذُرُنِي مِن رَجُلٍ بَلَغَنِي أذَاهُ في أهْلِي! فَوَاللَّهِ ما عَلِمْتُ علَى أهْلِي إلَّا خَيْرًا، ولقدْ ذَكَرُوا لي رَجُلًا ما عَلِمْتُ عليه إلَّا خَيْرًا، وما كانَ يَدْخُلُ علَى أهْلِي إلَّا مَعِي!
تقول عائشة رضي الله عنها: وبكيت يومي ذلك، لا يَرْقَأُ لي دمعٌ، ولا أكتحل بنومٍ، ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يَرْقَأُ لي دَمْعٌ، ولَا أكْتَحِلُ بنَوْمٍ، فأصْبَحَ أبَوَايَ عِندِي، وقدْ بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ ويَوْمًا؛ حتَّى ظننت أنَّ البُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي، فَبيْنَما هُما جَالِسَانِ عِندِي، وأَنَا أبْكِي، إذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأنْصَارِ، فأذِنْتُ لَهَا، فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي، فَبيْنَما نَحْنُ كَذلكَ دَخَلَ علينا رَسولُ اللَّهِ ، ثم جَلَسَ، ولَمْ يَجْلِسْ عِندِي منذ قيل ما قيل، وقدْ مَكَثَ شَهْرًا لا يُوحَى إلَيْهِ في شَأْنِي بشيءٌ، فَتَشَهَّدَ ثم جلس، ثُمَّ قَالَ: أما بعد؛ فإنَّه قد بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وكَذَا، فإنْ كُنْتِ بَرِيئَةً، فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وإنْ كُنْتِ قد ألْمَمْتِ بذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ تعالى وتُوبِي إلَيْهِ؛ فإنَّ العَبْدَ إذَا اعْتَرَفَ بذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عليه.
تقول عائشة رضي الله عنها: فَلَمَّا قَضَى رَسولُ اللَّهِ مَقَالَتَهُ، قَلَصَ دَمْعِي (أي: جف) حتَّى ما أُحِسُّ منه بقَطْرَةٍ، فقُلتُ لأبِي: أجِبْ عَنِّي رَسولَ اللَّهِ فيما قال. قَالَ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ! فَقُلتُ لِأُمِّي: أجِيبِي عَنِّي رَسولَ اللَّهِ فِيما قَالَ. قَالَتْ: واللَّهِ ما أدْرِي ما أقُولُ لِرَسولِ اللَّهِ! فَقُلتُ: إنِّي واللَّهِ سمعت حديثًا تَحَدَّثَ الناسُ به، واستقرَّ في نفوسِكم وصَدَّقْتُمْ به، فلَئِنْ قُلتُ لَكُمْ: إنِّي بَرِيئَةٌ. لا تُصَدِّقُونِني بذلكَ، ولَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ بأَمْرٍ، واللَّهُ يَعْلَمُ أنِّي منه بَرِيئَةٌ، لَتُصَدِّقُنَّنِي، (أي: أن النفوس يغلب عليها سوء الظن) فواللَّهِ ما أجِدُ لي ولَكُمْ مَثَلًا إلَّا أبَا يُوسُفَ إذْ قَالَ: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ، واللَّهُ المُسْتَعَانُ علَى ما تَصِفُونَ[يوسف: 18].
ثُمَّ تَحَوَّلْتُ فَاضْطَجَعْتُ عَلَى فِرَاشِي، وَأَنَا وَاللَّهِ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّؤني، وَلَكِنْ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ الله سيُنْزِلَ فِيَّ كلامًا يُتلى (أي في القرآن)، وَلَكِن كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّؤنِي اللَّهُ بِهَا.
تقول عائشة رضي الله عنها: فَوَاللَّهِ مَا رَامَ مَجْلِسَهُ (أي: ما نهض من مجلسه) وَلَا خَرَجَ أحدٌ من الْبَيْتِ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ ، فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنْ الْبُرَحَاءِ من شدة الوحي عليه، فسُرِّيَ عَنْه وَهُوَ يَضْحَكُ، فَكَانَ أَوَّلَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: يَا عَائِشَةُ، احمَدِي اللهَ تعالى؛ فإنَّه قَدْ بَرَّأَكِ.
فَقَالَتْ لِي أُمِّي: قُومِي إلى رسول الله فاحمديه. فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ، وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ تعالى، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ بَرَاءَتِي، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى عشر آياتٍ من سورة النور، أنزل قوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[النور: 11-20].
فلما أَنْزَلَ اللَّهُ تعالى هذه الْآيَاتِ في بَرَاءَتِي، قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصديق -وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بنِ أُثَاثَةَ، وكان ابن خالتي وكان فقيرًا؛ فقال: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا بَعْدَ ما قال ما قَالَ في عَائِشَةَ؛ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى قوله: وَلا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[النور: 22]، فقال أبو بكرٍ: بلى والله! إني أحب أن يغفر الله لي. فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَقَالَ: والله لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا”.
قالت عائشة رضي الله عنها: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، زَوْجَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، عَنْ أَمْرِي، فقال: يا زينب، ما علمتِ وما رأيتِ؟. (وكانت ضرتها وأشد أزواج النبي منافسةً لها؛ فكانت فرصةً للانتقام، لكن ماذا كان الموقف؟) قالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي، وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عليها إِلَّا خَيْرًا. قالت: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي (أي: تنافسني) مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ، فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ [2]، ولكن كان لها أخت أخذتها الحَمِيَّةُ لأختها، فوقعت فيما وقع فيه أصحاب الإفك، وهي حَمْنَةُ بنتُ جَحْشٍ، فجلدها النبي ، وجلد مسطحًا، وجلد حسانَ؛ هؤلاء الثلاثة، جَلَدَ كلًّا منهم ثمانين جلدةً؛ حدَّ القذف.
والعجيب! أنه لم يُجلدِ ابنُ أُبيٍّ الخبيث الذي كان يشيع الإفك؛ فقيل في ذلك أقوالٌ:
قيل: إنه كان لا يتكلم عند من يخشى أن يشهد عليه، كان يُشيع الإفك ويشيع الكذب والشر، لكنه إذا خشي أن أحدًا من المؤمنين يريد أن يشهد عليه لم يتكلم، وهذا من خبثه ومكره، ولكن الله تعالى خصَّه فقال: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النور: 11].
عباد الله
هذه القصة العظيمة فيها دروسٌ عظيمةٌ للأمة على مر الأجيال، فجديرٌ بأفراد الأمة أن يستفيدوا من تلك الدروس، وأن يعتبروا بما فيها من العِبر العظيمة؛ كما قال ربنا سبحانه: يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ [النور:17] وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[النور: 18].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو التواب الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعةٌ.
ذكر ما نزل من القرآن في حادثة الإفك
عباد الله
لقد أنزل الله تعالى في شأن حادثة الإفك قرآنًا يُتلى إلى قيام الساعة؛ لتكون دروسًا عظيمةً مفيدةً للأمة على مر الأجيال، افتتحها سبحانه بقوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ[النور: 11] -أي: الكذب الشنيع، وهي رمي أم المؤمنين رضي الله عنها بهذا الأمر- عُصْبَةٌ مِنْكُمْ[النور: 11]. أي: جماعةٌ منكم منتسبون إليكم أيها المؤمنون؛ منهم المؤمن الصادق في إيمانه، منهم: حسان بن ثابت، ومِسطَح بن أُثَاثَة، وحَمْنَة بنت جَحْشٍ، وهم من خيار الصحابة ؛ لكنهم اغتروا بترويج المنافقين، ومنهم المنافق.
أهمية التثبت وعدم الانسياق للشائعات
ومن هنا ينبغي للمؤمن أن يتثبت في كل ما يقول، وألا ينساق وراء ما يشيعه ويروجه المنافقون في المجتمع من إشاعاتٍ وأكاذيب، لا سيما إذا كانت بحق مؤمنٍ، ويزداد الإثم حينما يكون ذلك في حق إنسانٍ صالحٍ، فإن الإثم يكون أعظم.
ولنعتبر بهذه القصة العظيمة، فإن هناك صحابةً أفاضل، منهم من شهد بدرًا، انساق مع هذه الأراجيف، وتكلم وأدبه النبي وندم ندمًا عظيمًا على ذلك؛ حتى إن حسان بن ثابتٍ وضع قصيدةً عصماء يمدح فيها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، يقول فيها:
حصـانٌ رزانٌ مـا تُزَنُّ بريبةٍ | وتصبح غَرْثَى من لحوم الغوافل |
فندم ندمًا عظيمًا؛ لكن كان السبب في ذلك هو الاستعجال في نقل الكلام من غير تثبتٍ ومن غير تبينٍ، وهذه موعظةٌ ودرسٌ للمؤمنين، فإذا بلغك قالةٌ في أخيك المسلم، أو أن أخاك المسلم قُذف بسوءٍ أو تُكلم فيه، فإياك إياك أن تنقل هذا الكلام، وإنما أحسن الظن في أخيك المسلم، وقل: والله ما نعلم عنه إلا خيرًا.
ثم قال سبحانه: لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ[النور: 11]. أي: لا تظنوا أيها المسلمون أن في حديث الإفك شرٌّ محضٌ؛ بل إن فيه خيرًا كثيرًا لو تدبرتم.
خيرية أم المؤمنين عائشة
من تلك الخيرية: إكرام الله لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بتبرئتها من فوق سبع سمواتٍ، مع ما حصل لها من الأجر العظيم.
ومنها: موعظة المؤمنين بهذا الحدث العظيم، وبالآيات التي نزلت في ذلك، تعاتبهم وموعظةٌ لمن بعدهم لو حصل مثل ذلك، ثم قال سبحانه: وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النور: 11]. وهو المنافق ابن أُبَيٍّ؛ توعده الله تعالى بالعذاب العظيم، ثم قال سبحانه: لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ [النور: 12]. أي: هلا أنكرتم ذلك الإفك الباطل الذي رُمِيَت به أم المؤمنين عند سماعكم له لأول مرة؟ وقستم ذلك على أنفسكم؛ فإن كان لا يليق بكم علمتم أن أم المؤمنين رضي الله عنها أولى بالبراءة منه، وقلتم موقنين: هذا إفكٌ مبينٌ، قال بعض أهل العلم: هذه الآية فيها تنبيهٌ على أن حق المؤمن إذا سمع قالةً في أخيه أن يبني الأمر على ظن الخير، وأن يقول بناءً على ظنه: هذا إفكٌ مبينٌ.
ثم قال سبحانه: لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ[النور: 13]. أي: هلا جاء أولئك المغترُّون بأربعة شهداء عدولٍ يشهدون على دعواهم؛ فإذا عجزوا عن الإتيان بالشهداء، فأولئك عند الله هم الكاذبون.
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[النور: 14]، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ[النور: 15]، أي: تتلقونه ويلقيه بعضكم على بعضٍ، وتستوشون حديثه، وهو قول باطل: وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ[النور: 15]، والأمران محظوران عند الله؛ التكلم بالباطل، والقول بلا علمٍ.
وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ[النور: 15]، وهذا فيه زجرٌ بليغ عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيد حُسْبانُه شيئًا، ولا يُخفف ذلك من عقوبته؛ فقد يرتكب الذنب وهو يظن أنه هَيِّنٌ، لكنه عند الله عظيمٌ.
ثم قال سبحانه: وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ[النور: 16]. أي: هلا إذ سمعتم حديث الإفك، قلتم تكذيبًا للخائضين وزجرًا للمفترين: ما ينبغي لنا وما يجوز لنا أن نتكلم بهذا البهتان، وهذا الإفك المبين؟
يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ[النور: 17]، أي: يذكركم الله تعالى وينصحكم وينهاكم أن تقولوا مثل هذا القول، وأن تعودوا لمثل هذا الإفك؛ فالله يعظكم وينصحكم عن ذلك.
ونعم المواعظ والنصائح من ربنا، فيجب علينا مقابلتها بالقبول والإذعان والتسليم، والشكر له على ما بين لنا.
هذه عظةٌ من الله، وهذا درسٌ بليغٌ للمؤمنين جميعًا في كل زمانٍ ومكانٍ.
عظمة حقوق العباد عند الله
عباد الله
إن الإنسان قد يرتكب ذنوبًا يعتقد أنها صغيرةٌ؛ لكنها عند الله عظيمةٌ، وإن حقوق العباد أمرها عند الله عظيمٌ جدًّا؛ فربما ينقل الإنسان كلمةً قيلت في عرض أخيه المسلم، وربما يتناقلها مع أصحابه على سبيل المزاح والدعابة، ولكنها عند الله تعالى عظيمةٌ، ولهذا فهذه القصة فيها دروسٌ بليغةٌ للأمة في كل زمانٍ ومكانٍ، وأن الإنسان ينبغي أن يحفظ لسانه، وألا يقول إلا خيرًا أو ليصمت؛ من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرًا أو ليصمت [3].
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير؛ فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب: 56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن صحابته أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين، اللهم أذل النفاق والمنافقين.
اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا قوي يا عزيز.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافيتك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك، واجعلهم رحمةً لرعاياهم.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، ولما فيه صلاح البلاد والعباد، وقرب منه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الخير وتعينه عليه، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم اغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[البقرة: 201].
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[الحشر: 10].