عناصر المادة
الحمد لله الذي وعد المنفقين أجرًا عظيمًا وخلفًا، وتوعد الممسكين لأموالهم عما أوجب عليهم عطبًا وتلفًا، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الجواد، الرؤوف بالعباد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أفضل الرسل وخير العباد، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه أولي الفضل والعلم والانقياد.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فإنها وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
رمضان شهر الجود والإحسان
عباد الله: يعيش المسلمون هذه الأيام موسمًا من مواسم التجارة مع الله بالأعمال الصالحة، يعيشون أيام وليالي شهر رمضان شهر الخيرات والبركات والإحسان، فأروا الله من أنفسكم خيرًا، واقتدوا بالنبي الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
وشهر رمضان هو شهر الجود، فينبغي للمسلم أن يتضاعف جوده في هذا الشهر المبارك في جميع المجالات، ومن ذلك: أن يكثر من البذل والإنفاق في سُبل الخير، ويبدأ أولًا بتفقد الأموال التي عنده، فيخرج ما وجب فيه الزكاة منها، ثم بعد ذلك يستكثر من الصدقات والإنفاق في سُبل الخيرات: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:261].
مكانة الزكاة في الإسلام
عباد الله: والزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، فهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين وبعد الصلاة، فينبغي للمسلم أن يهتم بها، وأن يسأل عما يشكل عليه من مسائلها وأحكامها، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من بخل بالزكاة، أو قصّر في إخراجها، يقول ربنا : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة:34-35].
وكل مال لا تؤدى زكاته، فهو كنز يعذب به صاحبه يوم القيامة، يقول النبي : ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يُقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار [1]، فهذا وعيد شديد في حق من بخل بالزكاة، وأنه يُعذب في الموقف قبل أن يُقضى بين العباد، يُعذب على تركه للزكاة، ويؤتى بهذه الأموال التي كنزها وادخرها ولم يخرج زكاتها، فيعذب بهذه الأموال نفسها يوم القيامة، بعد ما يُحمى عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، فتكون هذه الأموال وبالًا عليه، وعذابًا يعذب بها يوم القيامة بسبب بخله بإخراج حق الله تعالى فيها.
عباد الله: وإن من المؤسف له حقًا: أن يوجد من المسلمين من يتساهل بهذه الفريضة، وبهذا الركن العظيم؛ إما جهلًا، أو تهاونًا وتفريطًا، أو بخلًا، وبكل حال فهو على خطر عظيم، حتى لو كان جاهلًا، فجهله بالزكاة وأحكامها لا يعفيه من المسؤولية، لا سيما في بلادنا هذه التي يكثر فيها العلماء وطلبة العلم، فبإمكانه أن يسأل عن الأموال التي عنده، وما يجب فيها منها الزكاة.
وبعض الناس يصعب عليه أن يسأل خوفًا من أن يُفتى بوجوب الزكاة عليه، فيشق عليه إخراجها، فيفتي نفسه بنفسه، بأنه لا زكاة عليه، وهذا لا يبرئ ذمته أمام الله .
ومثل هذا الجاهل المفرط، المتهاون بالزكاة، الذي يكنز الأموال ويكدسها، ولا يخطر بباله يومًا أن يتفقدها، وأن ينظر فيما يجب عليه من الزكاة منها، وأشد من هذا وذاك من بخل بالزكاة فلم يخرجها بخلًا، وهذا هو البخيل حقًّا، وهو المتوعد بالوعيد الشديد في الدنيا والآخرة.
الأصناف التي تجب فيها الزكاة
عباد الله: والزكاة تجب في أربعة أصناف من الأموال:
فتجب في الحبوب والثمار: فإن كانت تُسقى بغير كلفة ولا مؤونة كالتي تسقى بمياه الأمطار والأنهار والعيون، فالواجب فيها العشر، أي: 10%، أما إن كانت تُسقى بمؤونة وكلفة كالتي تسقى بالمكائن الرافعة للماء ونحوها، وهذه هي الموجودة في بلادنا فالواجب فيها نصف العشر، أي: 5%.
وتجب الزكاة في بهيمة الأنعام في الإبل والبقر والغنم في السائمة منها، والسائمة هي التي ترعى العشب والكلأ أكثر السنة، أما المعلوفة أكثر السنة فلا تجب فيها الزكاة، إلا أن تكون معدة للتجارة، فتزكى زكاة عروض التجارة.
فمن كان عنده إبل أو غنم أو بقر يعلفها، ولم يعدها للتجارة فهذه لا زكاة فيها، لكن إن أعدها للتجارة يبيع ويشتري فيها، فيزكيها زكاة عروض التجارة، أما إن كانت ترعى العشب والكلأ أكثر السنة، فإنه يزكيها زكاة السائمة.
وتجب الزكاة في الذهب والفضة، ونصاب الذهب عشرون مثقالًا، ويعادل خمسة وثمانين جرامًا، ونصاب الفضة مائتا درهم، ويعادل خمسمائة وخمسة وتسعين جرامًا، وفي حكمها في وقتنا الحاضر الأوراق النقدية، فتجب الزكاة فيها إذا بلغت نصابًا، ونصاب الأوراق النقدية هذه الأيام يعادل ألفًا وسبعمائة واثنين وستين ريالًا سعوديًا، أو ما كان معادلًا لها من العملات الأخرى.
فمن ملك هذا المبلغ ألف وسبعمائة واثنين وستين فأكثر، وحال عليه الحول، فيجب عليه أن يزكيه بغض النظر عن الغرض الذي ادخر هذا المبلغ لأجله، حتى لو ادخره للنفقة، أو لزواج، أو لبناء مسكن، أو لشراء أرض، أو لأي غرض من الأغراض ما دام قد بلغ نصابًا وحال عليه الحول، ففيه الزكاة.
وقد أصبح كثير من الناس اليوم دخولهم شهرية، ومرتباتهم شهرية، وكثير منهم لا يدري ما الذي ادخر وحال عليه الحول، وما الذي صرف من ذلك، فلم تجب فيه الزكاة، ولطريقة إخراج زكاة الدخل الشهري عدة طرق من أبسطها وأيسرها، من أسهلها وأيسرها: أن يتخذ له وقتًا محددًا في السنة، ولنفترض مثلًا أنه منتصف شهر رمضان.
فيزكي جميع الأموال التي عنده، يزكي جميع الرصيد الذي عنده، ناويًا تعجيل الزكاة فيما لم يحل عليه الحول، وبذلك لا ينظر لزكاة ماله إلا مرة واحدة في السنة، كلما أتى هذا التاريخ زكى جميع ما عنده ناويًا تعجيل الزكاة فيما لم يحل عليه الحول، وهذه أسهل الطرق، وهي طريقة عملية، ويمكنه أن يسلك طرقًا أخرى، مثل أن يطلب كشف حساب لعام هجري كامل، وينظر لأقل رصيد فيزكيه.
والصنف الرابع من أصناف الأموال التي تجب فيها الزكاة: عروض التجارة، وهي كل ما أعده الإنسان غرضًا للربح والتكسب والتجارة، فتقيم عند تمام الحول، ويخرج ربع العشر 2.5%، وعلى هذا فأصحاب المحلات التجارية عليهم في نهاية السنة الهجرية القمرية أن يجردوا ما عندهم من بضاعة ومن سيولة فيزكوها.
والواجب الزكاة في السلع المعدة والمعروضة للبيع، أما الأصول المستغلة فلا زكاة فيها، فمن عنده عمارة يؤجرها لا زكاة في أصل هذه العمارة، وإنما الزكاة في الإيجار إذا حال عليه الحول، وإلا إذا صرف الإيجار قبل أن يمضي عليه سنة، فلا زكاة فيه أيضًا.
ومن كان عنده أرض فإن زكاة الأرض تتأثر بنيته، وهو الأدرى بنيته، فإن كان قد نوى أن يبني عليها مسكنًا، أو يبني عليها عقارًا لتأجيره، ونحو ذلك، فلا زكاة فيها.
أما إن كان قد جزم بنية البيع والتجارة إما في الحال أو في المستقبل، فهي من عروض التجارة، ويجب عليه أن يزكيها عند تمام الحول بقيمتها عند تمام الحول بغض النظر عن القيمة التي اشترى بها هذه الأرض.
أما إن كان مترددًا في النية، أو ليس له نية واضحة، فتارة يقول: أريد أن أبني عليها مسكنًا، وتارة يقول: أريد أن أبيعها، فهذه الأرض لا زكاة فيها، فالزكاة لا تجب في الأرض إلا إذا جزم بنية البيع بقصد التربح.
وأما الأسهم فالمساهم لا يخلو إما أن يكون مستثمرًا أو مضاربًا، فالمستثمر هو الذي ملك أسهمًا بغرض الإفادة من ريعها وأرباحها، ولا يتاجر فيها، لا يبيع ولا يشتري فيها، وإنما اشترى أسهمًا وتركها، أو اكتتب في شركة وتركها، فهذه تكفي زكاة الشركات عنه، ولا يلزمه أن يزكي باعتبار أن الشركات المساهمة عندنا في المملكة تدفع الزكوات إلى مصلحة الزكاة والدخل.
أما إن كان المساهم مضاربًا يبيع ويشتري ويتاجر في هذه الأسهم، فهذه عروض تجارة، فيجب عليه أن يقيم ما لديه في المحفظة في نهاية السنة، عندما تتم عليه سنة قمرية، ينظر إلى القيمة السوقية للمحفظة، ويخرج ربع العشر 2.5%.
وأنبه هنا إلى أن الصناديق الاستثمارية التي في البنوك، أن مسؤولية إخراج الزكاة فيها على ملاك الوحدات؛ لأن البنوك لا تزكي هذه الصناديق، فيجب على المستثمرين أن يخرجوا زكواتها.
على المسلم أيها الإخوة أن يتفقد جميع الأموال التي عنده، وأن يخرج ما وجب فيه الزكاة، وأن يسأل عما يشكل عليه من مسائلها وأحكامها: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ [المؤمنون:1-4].
مصارف الزكاة
عباد الله: وأنبه هنا إلى أن المسلم إذا أراد أن يخرج الزكاة فعليه أن يتحرى المستحقين للزكاة، وهم الأصناف الثمانية الذين ذكرهم الله تعالى في قوله: إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [التوبة:60]، وأوضح هذه الأقسام الثمانية في بلادنا: الفقراء والمساكين، والغارمين، أي: الذين عليهم ديون حالة عاجزون عن سدادها.
وعلى المسلم أن يتولى إخراج زكاته بنفسه، هذا هو الأفضل والأكمل والأعظم أجرًا، أو أنه يعطيها للجهات الرسمية المصرح لها بجمع الزكوات، وأنبه إلى أنه ربما توجد جهات مجهولة تحث الناس على دفع الزكوات إليها، وربما تظهر مقاطع وصور، وربما زعمت أنها مصرح لها من جهات رسمية، وهم أهل نصب وتلاعب واحتيال، فينبغي الحذر من أن تعطوا زكواتكم وأموالكم إلى هذه الجهات المجهولة.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو التواب الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
فضل الصدقة
عباد الله: وينبغي للمسلم بعد إخراجه الزكاة أن يحرص على أن يتصدق بما تجود به نفسه، أن يتصدق في سبل الخير، فإن الصدقة شأنها عظيم، الصدقة تقرب الإنسان من الله ، وتطفئ غضب الرب، وتدفع البلاء عن الإنسان، وتحفظ المال، وقد أخبر النبي بأن ملكين ينزلان كل يوم يدعوان للمنفق بالخلف، ويدعوان على الممسك بالتلف، ففي الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي قال: ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا وينزل ملكان يقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا [2]، ولذلك ينبغي أن تحرص على الصدقة كل يوم ما أمكن، ولو بمبلغ يسير، حتى تنال دعوة الملك لك بالخلف.
حرص الصحابة على الإنفاق
وقد كان الصحابة يحرصون على البذل والإنفاق في سبل الخير على قلة ما في أيديهم من الأموال، عن أنس قال: “كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالًا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله يدخلها، ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس : فلما نزل قول الله تعالى: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، جاء أبو طلحة إلى رسول الله ، فقال: يا رسول الله إن الله قد أنزل عليك: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال رسول الله : بخ، بخ، ذاك مال رابح، ذاك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، قال أبو طلحة : أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [3].
وفي الصحيحين: أن عمر قال: “أصبت مالًا بخيبر لم أصب مالًا قط هو أنفس عندي منه، فأتيت النبي أستشيره فيه، فأشار عليَّ بالوقف، وقال: حبس الأصل، وسبل الثمرة، فأوقفه عمر في وجوه البر [4].
وكان هناك بئر يسمى: بئر رومة، وكان ليهودي يبيع ماءها على المسلمين كل قِربة بدرهم، فقال النبي : من يشتري بئر رومة، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، وله الجنة [5]، قال عثمان : أنا يا رسول الله، فاشتراها عثمان وأوقفها على المسلمين.
وفي ترجمة عثمان ذكر عنه أهل السير قصة عجيبة، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: حدث في خلافة أبي بكر أن أصاب الناس قحط، ثم قدمت المدينة عير لعثمان من الشام، فلما جاءت خرج الناس يتلقونها، فإذا هي ألف بعير، موسوقة برًّا وزيتًا وزبيبًا، فأناخت بباب عثمان، فجاءه تجار المدينة، وقالوا: بعنا من هذا الذي وصل إليك، فإنك تعلم حاجة الناس إليه، قال عثمان: كم تربحونني على شرائي؟ قالوا: نربحك الدرهم بدرهمين، قال: أعطيت أكثر، قالوا: الدرهم بأربعة، قال: أعطيت أكثر، قالوا: نربحك الدرهم بخمسة، قال: أعطيت أكثر، قالوا: ومن الذي أعطاك أكثر؟ ما في المدينة تجار غيرنا، وما سبقنا أحد إليك، فمن الذي أعطاك أكثر مما أعطيناك؟ قال: الله أعطاني بكل درهم عشرة، فهل عندكم زيادة؟ قالوا: لا، قال: فإني أشهد الله أني جعلت ما حملت هذه العير صدقة لله على الفقراء والمساكين، ثم أمر بتفريقها عليهم، فما بقي من فقراء المدينة أحد إلا وأخذ ما يكفيه وأهله.
وعن ابن مسعود قال: “لما نزل قول الله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، قال أبو الدحداح: يا رسول الله، إن الله يريد منا القرض، قال: نعم، قال أبو الدحداح: فإني قد أقرضت ربي حائطي أي: بستاني، وفيه ستمائة نخلة، ثم جاء أبو الدحداح يمشي، حتى دخل بستانه وفيه أم الدحداح وعيالها، فنادها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: أخرجي فإني قد أقرضت بستاني، قالت: وكيف تقرضه؟ ومن أقرضته؟ قال: أقرضته ربي، قالت: فنعم القرض”.
هكذا كان صحابة رسول الله يتسابقون على البذل والإنفاق في سبل الخير، وكانوا يمتثلون ما أمر الله تعالى به، فكان لما نزل: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، تسابق كثير منهم إلى الإنفاق بما يحبون، ولما نزل: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا [البقرة:245]، تسابقوا إلى الإنفاق في سبل الخير بغية أن ينالوا هذا الأجر العظيم، والثواب الجزيل.
كان ابن عمر إذا أعجبه شيء في ماله، وتعلقت به نفسه تصدق به، يتأول قول الله: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92].
عباد الله: إن البذل والإنفاق والصدقة في سبيل الله برهان على صدق إيمان صاحبها، ولهذا يقول النبي : والصدقة برهان [6]، أي: برهان على قوة إيمانه، وعلى صدقه مع ربه، فينبغي للمسلم أن يعود نفسه على الصدقة، وعلى البذل والإنفاق في سبل الخير بعدما يخرج الزكاة.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين.
اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان، وأبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، واجعلهم رحمة لرعاياهم، ووفق إمامنا وولي أمرنا وولي عهده لما تحب وترضى، ولما فيه صلاح البلاد والعباد، ولما فيه عز الإسلام والمسلمين، وقرب منهم البطانة الصالحة الناصحة، التي تذكرهم إذا نسوا، وتعينهم إذا ذكروا يا رب العالمين.
اللهم بارك لنا فيما تبقى من شهر رمضان، اللهم أعنا على إتمام صيامه وقيامه على الوجه الذي يرضيك.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى من الأقوال والأعمال، واجعلنا من عتقائك من النار، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا سقيا رحمة، لا سقيا بلاء ولا عذاب، ولا هدم ولا غرق.
اللهم أنزل لنا من بركات السماء، اللهم أخرج لنا من بركات الأرض، اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم فأرسل السماء علينا مدرارًا.
اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، وأغث بلادنا بالغيث النافع المبارك يا حي يا قيوم يا منان.
اللهم اسقنا الغيث، ولا تجعلنا من القانطين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.