عناصر المادة
الحمد لله الكبير المتعال، أمر برعاية الأهل ووقايتهم نارًا وقودُها الناسُ والحجارة.
أحمد ربي وأشكره كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده وأشكره حمدًا وشكرًا كما يحب ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسَلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق تقاته؛ قال الله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
عظم المسؤولية والأمانة
عباد الله، أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله يقول: كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهل بيته ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته. فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته[1].
في هذا الحديث العظيم، يبين النبي عظم المسؤولية والأمانة التي لا ينفك عنها في الغالب فردٌ من أفراد المجتمع؛ ولذلك قال: كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته.
تأمل قوله : كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته، فقد بيَّن أن من كان راعيًا ومسؤولًا عن شيء فإنه سيُسأل عن ذلك يوم القيامة، وسيُحاسب على تلك المسؤولية وعلى تلك الرعاية.
ولهذا؛ فليتقِ كلٌّ منا ربَّه فيما ائتمنه الله عليه، من أهل وزوجة وأولاد، وَلْيُعِدَّ للسؤال جوابًا، وللجواب صوابًا.
بيان مناط المسؤولية والرعاية في الأسرة
الحديث في هذه الخطبة يدور حول (بيان مناط المسؤولية والرعاية في الأسرة).
فالأسرة هي اللَّبِنة الأساسية لبناء المجتمع، فهي نواة المجتمع، التي يصلح المجتمع بصلاحها ويفسد بفسادها.
الوالدان هما المسؤولان عن تربية أولادهما
والمسؤول بالدرجة الأولى في الأسرة هما الوالدان: الأب والأم؛ فهما المسؤولان عن مهمة تربية أولادهما.
ومهمة تربية الأولاد ليست بالمهمة السهلة، بل إنها مهمة عظيمة؛ وعلى الآباء أن يَحسِبُوا لها حسابها، وأن يُعِدُّوا العُدَّة لمواجهتها، خصوصًا في هذا الزمن الذي نعيشه، والذي قد انفتح فيه العالم بعضه على بعض، وتلاطمت فيه أمواج الفتن، وكثرت فيه دواعي الفساد؛ مما يجعل المسؤولية عظيمةً وكبيرة على الآباء والأمهات.
عباد الله، أخبر النبيُّ بأن الطفل حين يولد فإنه يولد على الفطرة السليمة القابلة للخير، فإن بُودِرَتْ بالخير قبلته من غير صعوبة ولا كُلْفة؛ لأنه يوافق أصلَها الذي فُطِرَت عليه، وإنما تنحرف هذه الفطرة وتتغير عن خِلْقتها بسوء التربية والقدوة السيئة؛ يقول النبي : كل مولودٍ يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهَوِّدَانِه، أو يُنصِّرانِه، أو يُمجِّسَانه[2]؛ أي: أن تربية الآباء المنحرفة هي التي تُحوِّل الطفل مِن دِين الفطرة الذي هو الإسلام إلى دين اليهود أو النصارى أو المجوس.
فحافظوا على فِطَرِ أبنائكم من التغير أكثر مما تحافظون على أجسادهم وأرواحهم من الأمراض والإصابات.
إن الطفل في نشأته لا يُدرِك عواقب الأمور، ولا يعرف الضار من النافع، كما أنه لا يستطيع أن يوفر لنفسه القُوت والمسكن والملبس، وإنما والداه هما المُكلَّفان بتوفير هذه الأشياء؛ ولهذا أمر الله تعالى الولد أن يشكر لوالديه هذا المعروف، وأن يرد عليهما هذا الجميل؛ قال : وَقُل ربِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء:24].
التربية الضرورية تكون على الدين والخُلق
عباد الله، إن تربية الأولاد ليست مقصورة على التربية الجسدية، من توفير الطعام والشراب والكسوة والمسكن لهم، أو إعطائهم متطلباتهم التكميلية من الدراهم والسيارات فحسب، بل إن التربية الحقيقية والضرورية هي تربيتهم على الدين والأخلاق، والمحافظة على فطرتهم من التغير والفساد، والعناية بهم ومعرفة أصحابهم وأَخِلَّائهم؛ حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم ومن اتجاهاتهم وسَيْرهم.
ومِن الآباء مَن لا يُولِي هذه الأمورَ اهتمامًا، إنما همُّه أن يوفر لأولاده المأكل والمشرب والمسكن فحسب، فتجده: إما مشغولًا بتجارته وتنمية أمواله ورعايتها وحفظها وصيانتها، أو مشغولًا باللهو والسهر والسفر مع أصحابه، وينسي أولاده، ولا يعرف أين يذهب أولاده؟ ومع من؟
وإذا أردت البرهان؛ فانظر إلى حال هؤلاء الشباب الذين يتسكعون في الشوارع، لاسيما أيام الإجازات، يسهرون الليل حتى الفجر، أو قريبًا من الفجر!
ففِيمَ يقضون ساعات ليلهم؟! وفيمَ يسهرون؟! يتسكعون في الشوارع وفي إيذاء المسلمين، بل ربما قد يجرهم ذلك السهر إلى ارتكاب بعض المحرمات: من الفواحش، والمخدرات، وغيرها.
والسؤال القائم هنا: أين أولياء أمور هؤلاء الشباب؟ أين آباؤهم؟ كيف يأوي الأب إلى فراشه وينام قرير العين هادئ البال وابنه خارج المنزل لا يدري أين ذهب ولا مع من ذهب؟!
عباد الله، إن أكثر من يُقبَض عليهم متلبسين بارتكاب الجرائم، يعانون من ضياع في الأسرة، وإهمال في التربية، وقلة مبالاة من أهليهم بتربيتهم التربية الحقيقية.
فاتقوا الله أيها الآباء، اتقوا الله في أنفسكم، واتقوا الله في أبنائكم؛ فإن الله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم:6]، لم يقل: “قُوا أنفسكم نارًا” فحسب، بل قال: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6].
فكيف يقي الإنسانُ أهلَه هذه النار؟
يقيهم بأن يوجههم ويرشدهم إلى طاعة الله ، ويأمرهم بطاعة الله سبحانه، والاستقامة على شرعه؛ قال : وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132].
وهؤلاء المُضيِّعون لأمر الله بحق أولادهم، لو أصابت نارُ الدنيا طرفًا من ولده أو كادَتْ لسعى بكلِّ ما يستطيع لدفعها، وَلَهُرِعَ إلى كلِّ طبيبٍ للشفاء مِن حرقها. وأما نار الآخرة فلا يحاول أن يُخلِّص أهله وأولاده منها!
عباد الله، إن الإنسان إذا لم يقم على تربية أولاده، ومراقبتهم، والسعي في تربيتِهم تربيةً صالحة، فمن الذي سيقوم عليهم؟! هل يقوم عليهم أباعد الناس ومَن لا صلة له بهم؟ أو يُترك هؤلاء الأولاد والأغصان الغضة الطرية تعصف بها رياح الأفكار المضللة، والاتجاهات المنحرفة، والأخلاق الهدامة؟! فينشأ مِن هؤلاء جيلٌ فاسد لا يرعى لله حرمة، ثم لا يرعى للناس حقوقًا، فوضويٌّ متهور، منطلق من كل قيد إلا من قيد الشهوة والطغيان.
إنه لمن الحرمان العظيم والخسارة الفادحة، أن يعيش شبابٌ في عمر الزهور واكتمال القِوَى، لا يُبالُون في إضاعة أوقاتهم سُدًى، بل إنهم يَسْطُون على أوقات الآخرين ليقطعوها في اللهو الباطل والأمور المحتقرة، يتسكعون في الشوارع، ويسهرون طوال الليل، فإذا انفلق الصبح ناموا حتى الظهر، وربما حتى العصر، غير آبِهِين بشأن الصلاة، وغير مدركين لعظيم خسارتهم بتضييع الأوقات.
يجب أن يُنقَذ شباب الأمة من هذا الذُّهول المُهلِك، من الغفلة عن الغد، والاستغراق المميت في الحاضر، فهم مسحورون بنظرة الشباب العارضة، وتقطيع الأيام والليالي من غير حساب ولا محاسبة؛ قال : إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [يونس:7-8].
مسؤولية الوالدين عن الأبناء والبنات
وكما أن الآباء والأمهات مسؤولون عن أبنائهم، فهم مسؤولون كذلك عن بناتهم؛ فالمرأة المسلمة مُستهدَفة في الوقت الحاضر أكثرَ مِن أي وقت مضى.
فعلى الآباء والأمهات أن يهتموا بتربية بناتهم، وأن يتقوا الله فيهن؛ فبعض بنات المسلمين تخرج من بيت أبيها بكامل زينتها، متعطرة، متجملة، متبرجة، وتذهب للأسواق، وتُعرِّض نفسها لمعاكسة الشباب!
والسؤال القائم: أين أولياء أمور هؤلاء الفتيات؟ أين آباؤهم وأمهاتهم؟ إن كانوا لا يعلمون بواقع بناتهم فهو مصيبة! وإن كانوا يعلمون وأقروهم على ذلك فالمصيبة أعظم!
فليتقوا الله ، ليتق اللهَ الآباءُ والأمهاتُ في أبنائهم وبناتهم؛ فإنهم مسؤولون عن ذلك يوم القيامة، كما قال : كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته[3].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.
عباد الله، يقول النبي : ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يَحُطْها بنُصْحه إلا لم يجد رائحة الجنة أخرجه البخاري في “صحيحه”[4].
فليستحضر الأب والأم هذا الحديث العظيم؛ فإن الله تعالى قد استرعاهما هؤلاء الأولاد، فعليهما أن يُحِيطا هؤلاء الأولاد من بنين وبنات، بالنصح، وبالتوجيه، وبالإرشاد، وبتقوى الله ، ما استطاعوا فيهم سبيلًا.
أقسام الناس في تربية الأولاد
عباد الله، الناس في تربيتهم لأولادهم على ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: قسم فرَّطوا وأهملوا وتساهلوا في تربية أولادهم، فلا يعرفون من تربية الأولاد إلا التربية المادية: من توفير المسكن والمأكل والمشرب فحسب، والأبناء مشغولون بدنياهم وبلَهْوِهم.
- والقسم الثاني: على العكس من القسم الأول، لكنهم أفرطوا في القسوة مع أولادهم، فاستخدموا مع أولادهم أسلوب الشدة، لكنها شدة مُنفِّرة؛ جعلت هؤلاء الأولاد يَنْفرون من والديهم، بل وربما كرهوهم. وهذه القسوة الزائدة ربما أدت إلى أمور عكسية على خلاف ما يريده المُربِّي.
- والقسم الثالث: قسمٌ وسطٌ في التربية بين الإفراط والتفريط؛ سلكوا مسلك الاعتدال في التربية، والاعتدالُ في الأمور كلها مطلوب، فأصبح هذا الأب المربي مع أولاده بمثابة الصديق لهم، يحبهم ويحبونه ويتودد كل منهما إلى الآخر باحترام متبادل ومحبة صادقة، اعتنى هذا الأب بأولاده منذ الصغر ونشَّأهم على محبة الخير ومحبة الصلاح، والاستقامة على طاعة الله ، وحب الصلاة حتى ألفوها، عوَّدهم على بر الوالدين وصلة الرحم واحترام الكبير والشفقة على الصغير؛ فجنى ثمرةَ هذه التربية الصالحة في حياته، وبَرُّوا به وأكرموه واحترموه، وربما لَحِقَه بِرُّهم به بعد موته بدعائهم له والصدقة عنه. وهذا القسم هو المطلوب، وهو الذي يُخرج أجيالًا تُعيد للأمة بإذن الله تعالى عِزَّها ومَجْدها. وهذا القسم ولله الحمد ليس عزيزًا في هذه الأمة، بل هو موجود، ونرى منه نماذج حية في المجتمع.
عباد الله، إن مَن اتَّقى الله تعالى في تربية أولاده، وبَذَل أسبابَ الهداية لهم، وسأل لهم الهداية والصلاح؛ فإن اللهَ تعالى لن يُخيِّب ظنَّه ولا رجاءه.
الهداية المطلوبة من الوالدين لأولادهما
والهداية تنقسم إلى قسمين، الهداية المطلوبة من الوالدين لأولادهما تنقسم إلى قسمين كما قال أهل العلم:
- القسم الأول: هداية الدلالة والإرشاد؛ أي: أن الأب والأم يدلان أولادهما إلى ما فيه الخير والصلاح، ويُقدِّمان لهما النصائح. وهذا الأمر سهل وميسور ومستطاع، وهو المذكور في قول الله : وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مسْتَقِيمٍ [الشورى:52]. فالأنبياء يَهْدون أممهم، وكذلك أتباع الأنبياء من العلماء والدعاة والمصلحين والموجهين والمرشدين. وهكذا الوالدان مع أولادهما يهدونهما هذه الهداية، هداية الدلالة والإرشاد؛ بمعنى أنهم يُبيِّنون لهم طريق الخير، ويَحُثُّونهم عليه، ويبينون لهم طريق الشر ويحذرونهم منه.
- والقسم الثاني من أقسام الهداية: هداية الإلهام والتوفيق، وهذه لا يملكها لا مَلَكٌ مقرب ولا نبي مرسل، لا يملكها إلا الله تعالى وحده، وهي المذكورة في قول الله : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ [القصص:56].
وقد حصل من بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أن بذلوا أسبابًا عظيمة لبعض أقربائهم في سبيل هدايتهم، ولكنَّ الله لم يُرِدْ لهم الهداية فلم يهتدوا.
فهذا نوح ، قد بذل أسبابًا عظيمةً في هداية ابنه حتى آخر لحظة من حياته؛ قال الله مخبرًا عما دار بينه وبين ابنه: يَا بُنَيَّ ارْكَب معَنَا وَلَا تَكُن معَ الْكَافِرِينَ قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ [هود:42].
فلم يستطع نوح أن يهدي ابنه، ولم يستطع إبراهيم أن يهدي أباه، بل ولم يستطع محمد أن يهدي عمَّه مع أنه بذل معه جميعَ أسباب الهداية إلى آخر لحظة من حياته، وها هو عمُّه أبو طالب على فراش الموت وقد قدَّم تضحياتٍ عظيمةً للإسلام، وللدفاع عن رسول الله ، وكان يحب محبة شديدة أن يهتدي عمه هذا، فقال له وهو يحتضر: أَيْ عمِّ، قُلْ: لا إله إلا الله؛ كلمةً أُحَاجُّ لك بها عند الله، لكنَّ الله لم يُرِد هدايته فلم يَقُلْها وقال: هو على ملة عبد المطلب[5]. فمات على الكفر؛ فهو في النار.
فانظروا إلى هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، لم يستطيعوا هدايةَ أقاربهم: من أبناءٍ، وآباءٍ، وأعمام، لم يستطيعوا هدايتهم لأن الله هو الذي بيده هداية الإلهام والتوفيق.
إذن؛ فالمطلوبُ من الأب والأم أن يبذلا أسباب هداية الدلالة والإرشاد، وأن يسألا الله لأولادهما هداية الإلهام والتوفيق. وهذا معنًى قد يغفل عنه بعض الآباء والأمهات، حيث يجتهدون في هداية الدلالة والإرشاد، ويغفلون عن هداية الإلهام والتوفيق، وبعد ذلك يَندُبون حظَّهم ويقولون: عجزنا مع أولادنا، بذلنا معهم جميع الأسباب فلم يهتدوا. لكنهم غفلوا عن أن يدعوا الله لأولادهم بهداية الإلهام والتوفيق.
فها هو رجلٌ من الناس، جميعُ أولاده صالحون بَرَرة، سُئل عن ذلك فقال: إني في كل يوم، بعد صلاة الفجر، وبعد أن آتي بالأذكار، أدعو لهم بالهداية، وأدعو لكل واحد منهم باسمه بالهداية.
ولعل الله قد استجاب دعاءه فهداهم جميعًا.
فالمطلوب من الآباء والأمهات أن ينتبهوا لهذا الجانب، وأن يسألوا الله لأولادهم الهداية، فإذا بذل الأب والأم أسباب هداية الدلالة والإرشاد، وسألَا الله لأولادهما هداية الإلهام والتوفيق، لكنهم لم يهتدوا، فقد سبقهم أنبياء ورسل يملكون أحسن الأساليب في التربية وأنجعَها وأعظمها، وهم أنبياء مؤيدون بالوحي، ومع ذلك لم يستطيعوا هداية أقاربهم.
وقد جعل الله هذا سلوةً للآباء والأمهات الذين استنفدوا جميع الوسائل في تربية أولادهم ولكنهم لم يهتدوا، والذي نقصده بالإنكار إنما هو فيمن فرَّط ولم يَقُم بالأسباب، أسباب هداية الدلالة والإرشاد، أو قصَّر في أن يسأل الله لهم هداية الإلهام والتوفيق.
فهذا هو الذي نعنيه بالتقصير، وإلا فحتى هؤلاء الذين بذلوا جميع أسباب الهداية وسألوا الله تعالى لأولادهم الهداية ولكن الله لم يُرِدْ هدايتهم، حتى هؤلاء ليست حالهم بأحسن من حال الأنبياء والرسل الذين لم يُرِد الله هداية بعض أقاربهم، وأنزل في ذلك قرآنًا يتلى؛ قال الله : إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ [القصص:56].
ألا، وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك؛ فقال : إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صَلِّ وسلِّم وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارْضَ عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.
اللهم أَعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الكفر والكافرين. اللهم انصر مَن نصر دين الإسلام في كل مكان، اللهم اخذل مَن خذل دين الإسلام في كل مكان. يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم هيِّئ لأمة الإسلام أمرَ رُشْدٍ يَعِزُّ فيه أهل طاعتك، ويهتدي فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المنكر. يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وفِّق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك، وسنة نبيك محمد ، واجعلهم رحمة لرعاياهم.
اللهم وفِّق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وقرِّب منه البطانة الصالحة الناصحة، التي تدله على الحق وتعينه عليه. يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كلِّ خيرٍ، واجْعَلِ الموتَ راحةً لنا من كل شر.
اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحوُّل عافيتك، وفُجَاءة نقمتك، وجميع سخطك.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أَنزِل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين. اللهم اسقنا وأَغِثْنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا وأغثنا، اللهم اسقنا سُقْيَا رحمةٍ لا سقيا بلاء ولا عذاب ولا هدم ولا غرق.
اللهم أنزل علينا من بركات السماء، اللهم أخرج لنا من بركات الأرض. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارًا، اللهم فأرسل السماء علينا مدرارًا. اللهم إنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا بذنوبنا فضلك. اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلًّا للذين آمنوا؛ ربنا إنك رؤوف رحيم.