عناصر المادة
الحمد لله خلق الجن والإنس ليعبدوه، وبين لهم طريق الخير ليسلكوه، وحذرهم من طريق الشر ليجتنبوه، أحمده تعالى وأشكره حمدًا وشكرًا كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بين يدي الساعة بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه، وسراجًا منيرًا، فصلوات الله وسلامة عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى فإنها وصية الله للأولين والآخرين؛ كما قال ربنا سبحانه: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
منزلة حديث تحريم الظلم
عباد الله: نقف في هذه الخطبة وقفات يسيرة مع حديث من مشكاة النبوة، مع حديث عظيم الشأن، كان السلف يعظمونه غاية التعظيم، اشتمل على معان تربي في النفوس تعظيم الله ، ومهابته، والخوف منه، كان الإمام أحمد رحمه الله يقول: “هذا الحديث هو أشرف حديث لأهل الشام”، وكان أبو إدريس الخولاني رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث جثا على ركبتيه؛ تعظيمًا وإجلالًا له، قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “هذا الحديث قد تضمن من قواعد الدين العظيمة في العلوم والأعمال، والأصول والفروع، وقد عني به أهل العلم، وصنفوا في شرحه مصنفات”.
حديث تحريم الظلم وبيان فضل الله على العباد
أخرج مسلم في صحيحه عن أبي ذر أن النبي قال فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته، فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته، فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم، قاموا بصعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته، ما نقص ذلك مما عندي، إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه [1].
تنزيه الله عن الظلم
عباد الله: تضمن هذا الحديث العظيم معاني جليلة؛ أول هذه المعاني: تنزيه الله عن الظلم، ونهي العباد عن أن يظلم بعضهم بعضًا: يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا.
أقسام الظلم
والظلم هو: وضع الشيء في غير موضعه، وهو على نوعين:
- أحدهما: ظلم النفس، وأعظمه: الشرك بالله؛ كما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان:13]؛ لأن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق، فعبده وتألهه فهو وضع الأشياء في غير مواضعها.
وكذلك سائر المعاصي إذا ارتكب العبد شيئًا منها فقد ظلم نفسه، كما قال الله عن آدم وزوجه أنهما قَالَا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23]. - والنوع الثاني: ظلم العبد لغيره، فهو المذكور في هذا الحديث، جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي قال: إن الظلم ظلمات يوم القيامة [2]، وقال عليه الصلاة والسلام في خطبته العظيمة في حجة الوداع: أيها الناس إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا [3]، وجاء في صحيح البخاري عن أبي هريرة أن النبي قال: من كانت عنده مظلمة لأخيه فليتحلل منها، فإنه ليس ثم دينار ولا درهم من قبل أن يأخذ لأخيه من حسناته، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات أخيه فطرحت عليه [4]، فليتق الله أولئك الذين يظلمون الناس ويتعدون على حقوقهم، ليتقِ الله أولئك الذين اقتطعوا حقوق غيرهم بغير حق، عن أبي أمامة أن النبي قال: من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة قالوا: يا رسول الله وان كان شيئًا يسيرًا؟ قال: وان كان قضيبًا من أراك [5]، رواه مسلم، أي: وان كان مثل عود السواك.
بيان افتقار العباد إلى الله
وثاني هذه التوجيهات العظيمة: بيان افتقار العباد إلى الله ، في هدايتهم من الضلالة، وإطعامهم من الجوع، وكسوتهم من العري، ومغفرة ذنوبهم، وقد أمر الله تعالى بطلب هذه الأمور منه وحده جل وعلا: يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعًا، فاستغفروني أغفر لكم. وقد استدل إبراهيم الخليل عليه السلام بتفرد الله بهذه الأمور على وجوب إفراده بالعبادة، فقال لقومه: قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ [الشعراء:75-82]، فإن من تفرد بخلق العبد وهدايته ورزقه وإحيائه وإماتته ومغفرة ذنوبه مستحق أن يفرد بالعبادة، والسؤال والتضرع.
وفي قوله: إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعًا فاستغفروني أغفر لكم بيان لسعة مغفرة الله: إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [النجم:32]، فلا ييأس مذنب من مغفرة الله ولو عظمت ذنوبه فإن الله لا يتعاظمه ذنب أن يغفره لعبده التائب، جاء في الصحيحين عن أبي سعيد أن رسول الله قال: كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على راهب، فأتاه فقال: هل له من توبة؟ قال: لا، فقتله فكمل به المائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فأتاه وقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ قال: نعم، ومن يحول بينك وبين التوبة؟ ولكنك بأرض سوء انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسًا يعبدون الله، ولا ترجع إلى أرضك، فانطلق حتى إذا نصف الطريق -أي انتصف- أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلًا بقلبه إلى الله تعالى، وقالت ملائكة العذاب: إنه قتل مائة نفس ولم يعمل خيرًا قط، فأتاهم ملك بصورة آدمي فجعلوه بينهم حكمًا، فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة [6]، وجاء في رواية: أنه أدنى إلى الأرض التي أراد بشبر [7]، في رواية: جعل ينأى إليها بصدره [8].
بيان أن العباد لا يقدرون أن يوصلوا إلى الله نفعًا ولا ضرًّا
عباد الله: وثالث هذه التوجيهات الربانية: بيان أن العباد لا يقدرون أن يوصلوا إلى الله نفعًا ولا ضرًّا فإن الله غني حميد، لا حاجة له بطاعات العباد، ولا يعود نفعها إليه، وإنما يعود نفعها إليهم، ولا يتضرر بمعاصيهم، وإنما يتضررون هم بمعاصيهم: مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا [الإسراء:15]، إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ [الزمر:7]، فهو سبحانه مع غناه عن عباده يحب منهم أن يطيعوه ليثيبهم، وأن يستغفروه ليغفر لهم تفضلًا منه وكرمًا وإحسانًا، والعباد مع فقرهم إلى الله وحاجتهم إليه، يبتعدون عنه ويبارزونه بالمعاصي، ولا يضرون إلا أنفسهم، وهذا من جهلهم وغرورهم: يا عبادي إنكم لم تبلغوا ضري فتضروني، ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني.
ثم أكد سبحانه وقرر غناه عن طاعة عباده، وعظيم سلطانه الذي لا يصل إليه الضرر بحال من الأحوال، فقال: يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئًا، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل في البحر [9].
وملك الله تام لا تزيده طاعة المطيع، ولا تنقصه معصية العاصي: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا [فصلت:46].
وخزائن الله ملأى، خزائنه لا تنفد، ولا تنقص مع كثرة الإنفاق، فلو أن الخلق كلهم كانوا تقاة ما زاد ذلك في ملك الله شيئًا، ولو سألوه فأعطى كل سائل حاجته ما نقص ذلك مما عنده فملكه سبحانه كامل على أي وجه لا يؤثر فيه شيء وخزائنه لا تنفد ولا تنقص بالعطاء، ولو أعطى الأولين والآخرين والجن والإنس جميعًا ما سألوا في مقام واحد، فهو سبحانه الغني الكريم القوي القدير الذي لا يعجزه شيء في السماء ولا في الأرض: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82].
وهو غني عن عباده، وله القدرة التامة، وهو على كل شيء قدير، وهو بكل شيء عليم، أرأيتم كيف خلق هذا الكون في ستة أيام ثم استوى على العرش، خلق هذا الكون العظيم بأرضه وسمائه، وشمسه وقمره، وبحره وبره، وجباله وأنهاره، وأشجاره ورطبه يابسه، وظاهره وباطنه، خلق هذا الكون كله على أحسن نظام، وأتمه لمصالح عباده خلقه كله في ستة أيام، ولو شاء لخلقه في لحظة، ولكنه حكيم يقدر الأمور بأسبابها، وما غاب عنا من مشاهد قدرته أعظم وأعظم بكثير مما نشاهده، فهو على كل شيء قدير، وهو بكل شيء عليم، وهو الغني عن عباده جل وعلا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله العلي الأعلى الكامل في الأسماء الحسنى والصفات العلا، رب السماوات والأرض رب الآخرة والأولى، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها.
إحصاء الله أعمال العباد ومجازاتهم عليها
عباد الله: وآخر هذه التوجيهات الربانية في هذا الحديث العظيم قول الرب : يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه، فبيَّن سبحانه أنه يحصي أعمال العباد كلها، يحصي أعمال العباد خيرها وشرها، ثم يجازيهم عليها، فالشر يجازى عليه بمثله من غير زيادة إلا أن يعفو الله عنه، والخير يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة لا يعلم قدرها إلا الله تفضل منه سبحانه وإحسانًا.
ثم بين سبحانه أن الخير كله فضل من الله على عبده من غير وجوب، ولا استحقاق له عليه، فعليه أن يحمد الله عليه، وأن الشر كله من عند ابن آدم قدر عليه بسبب اتباعه لهوى نفسه: مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ [النساء:79].
وهذا هو الذي يقع يوم القيامة فأهل الخير يقولون: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ [الأعراف:43]، وأهل الشر: يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ [غافر:10].
فاتقوا الله عباد الله، وبادروا بالأعمال الصالحة: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [النور:31].
عباد الله: وإذا أيقن العبد بأن الله مطلع عليه لا يخفى عليه شيء، مطلع على ظاهره وباطنه وسره وعلانيته وأيقن بأن الله يحصي عليه أعماله كلها صغيرها وكبيرها، وقد وكل بكل إنسان ملكين يكتبان كل ما يقول، إذا علم العبد ذلك وتيقنه فإن هذا كفيل بأن يجعل العبد مراقبًا لله في جميع أعماله، وفي جميع تصرفاته، فإذا همَّ بمعصية استحضر أن الله مطلع عليه لا يخفى عنه، ولا يغيب، وبذلك يقلع عن هذه المعصية، ويقبل على الأعمال الصالحة التي تقربه إلى الله زلفى، وهذه هي المراقبة وهي ثمرة علمه بأنه سبحانه رقيب عليه، ناظر إليه، سامع لقوله، مطلع على عمله كل وقت، وكل لحظة، وكل طرفة عين.
ليجعل المسلم هذا الحديث العظيم نصب عينيه: يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
استقبال شهر رمضان
عباد الله: ثم إننا نستقبل موسمًا من مواسم التجارة مع الله بالأعمال الصالحة، ولم يتبق عليه سوى أيام قلائل، نستقبل شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ [البقرة:185].
هذا الشهر العظيم الذي فيه ترفع الدرجات، وفيه تضاعف الحسنات، وفيه تكفر الخطايا والسيئات، فاجتهدوا رحمكم الله في اغتنام أيام هذا الموسم ولياليه، فإنها سرعان ما تنقضي، وقد سماه الله تعالى: أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ [البقرة:183-184]، وما دامت أيام هذا الشهر معدودات فإنها سرعان ما تنقضي، وسرعان ما تطوى صحائفها.
فاجتهدوا رحمكم الله، واغتنموا هذا الموسم العظيم فيما يقربكم إلى الله زلفى، وعمر الإنسان قصير، وكل يوم يمضي من عمره يقربه من الموت والدار الآخرة ويبعده عن الدنيا، وربما أن مثل هذه الفرص لا تتكرر، فعلى الإنسان أن يحسن الإفادة منها فيما يزيد رصيد حسناته، وفيما يقربه إلى الله، ينبغي أن يحسن إدارة وقته في هذا الشهر المبارك، وأن يحرص على أن يتزود فيه بالأعمال الصالحة، وأن ينظم ويرتب وقته، وأن يحافظ أولًا على الفرائض، ثم بعد ذلك يستزيد من النوافل، فإنه شهر عظيم ينبغي أن تتغير حال المسلم معه، وأن يتضاعف جوده، وأن يجتهد في الطاعة، وأن يقتدي بالنبي الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، وليستحضر الإنسان أنه ربما يكون هذا آخر رمضان يصومه مع الناس.
كم من إنسان كان معنا العام الماضي يستقبل معنا هذا الشهر ثم اخترمته المنية فهو الآن في قبره لا يستطيع زيادة في الحسنات ولا نقصًا من السيئات، فينبغي أن نغتنم هذا الشهر، وأن نبادر ما تبقى من العمر فيما يقربنا إلى الله زلفى.
اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم بلغنا شهر رمضان، اللهم وفقنا لصيامه وقيامه، اللهم وفقنا فيه لما تحب وترضى، اللهم وفقنا في هذا الشهر المبارك لما تحب وترضى، اللهم وفقنا في هذا الشهر المبارك لما تحب وترضى، اللهم وفقنا فيه للأعمال الصالحة، وأعنا على ذكرك وشكرك، وحسن عبادتك، واجعلنا ممن يصومه ويقومه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا من عتقائك من النار، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح قلوبنا، اللهم اهد قلوبنا، اللهم يا مقلب القلوب ثبِّت قلوبنا على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الكفر والكافرين، وانصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، واخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان.
اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك محمد ، ووفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وارزقه البطانة الصالحة الناصحة التي تدله على الحق، وتعينه عليه، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان.
اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.
الله صل على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.