عناصر المادة
الحمد لله الذي فرض على عباده أداء الأمانة، وحرَّم عليهم المكر السَّيئ والخيانة، أحمده تعالى وأشكره حمدًا وشكرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده وأشكره وهو المُستحق للحمد وأهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتَّبع سُنته إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فأُوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، فإنها أعظم وصيةٍ، إنها وصية الله للأولين والآخرين: وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ [النساء:131]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًاوَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا [الطلاق:5].
تحمل الإنسان للأمانة من بين سائر الخلق
عباد الله: أمرٌ من الأمور، أمرٌ عظيمٌ عرضه الله تعالى على بعض مخلوقاته، فمنها مَن أبى، ومنها مَن قَبِلَ؛ عرض الله تعالى هذا الأمر على أن مَن قَبِلَ فأطاع أُثِيبَ، ومَن قَبِلَ فعصى عُوقِب، فعرض الله تعالى هذا الأمر على السماوات فَأَبَتْ؛ خوفًا من عدم القيام به، وعرضه على الأرض فَأَبَتْ، وعرضه على الجبال فَأَبَتْ، وعرضه على الإنسان فقَبِلَ، يقول الله في بيان هذا الأمر: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا [الأحزاب:72]، فبيَّن الله أنه عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها خوفًا؛ ولهذا قال: فَأَبَيْنَ أي: خِفْنا من عواقب حملها.
واتَّفقت أقوال المُفسرين على أن المراد بالأمانة في الآية جميع التكاليف الشرعية، فمَن قام بها أُثيب، ومَن تركها عُوقِب، وإنما أشفقت السماوات والأرض والجبال من حمل هذه الأمانة لما ينشأ عن التساهل بها من عذاب الله وسخطه وعقابه، وإيثارًا للعافية والسلامة، وبُعْدًا عن التَّبعة.
وعرضها الله تعالى على الإنسان، فحملها الإنسان على ضعفه وظلمه وجهله، وبما فيها من مسؤوليةٍ عظيمةٍ، وخطورةٍ بالغةٍ، فانقسم الناس بعد هذا التَّحمل إلى ثلاثة أقسامٍ، ذكرهم الله تعالى في الآية التي بعدها بقوله: لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [الأحزاب:73].
فالقسم الأول: المنافقون والمنافقات الذين التزموا بها ظاهرًا، وضيَّعوها باطنًا، يُظهرون الإيمان خوفًا من أهله، ويُبطنون الكفر مُتابعةً لأهله.
والقسم الثاني: المشركون والمشركات الذين ضيَّعوا هذه الأمانة ظاهرًا وباطنًا، فظاهرهم وباطنهم الكفر بالله، ومُخالفة رسله.
والقسم الثالث: المؤمنون والمؤمنات الذين حفظوا هذه الأمانة ظاهرًا وباطنًا.
فالقسمان الأولان مُعذَّبان، والقسم الثالث مرحومٌ؛ ولهذا قال : لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا.
الأمانة في العبادات
عباد الله: إن الأمانة مسؤوليةٌ عظيمةٌ، وعِبْءٌ ثقيلٌ، إلا على مَن خفَّفه الله عليه، وقد تحملنا هذه الأمانة، وحملناها على عواتقنا، والتزمنا بمسؤوليتها، وسنُسأل عنها يوم القيامة.
الأمانة شاملةٌ لكل ما استُحفظ عليه العبد من حقوقٍ، سواء كانت لله تعالى أم لخلقه، فالأمانة التي تكون في الحقوق التي بين العبد وربه تعني: أن يقوم العبد بطاعة الله مُخلصًا لله، مُتَّبعًا لرسوله ، مُمتثلًا أوامره، مُجتنبًا نواهيه، يخشى الله في السر والعلن، فالصلاة أمانةٌ، والزكاة أمانةٌ، والصيام أمانةٌ، والحج أمانةٌ، وكل واجبات الدين أمانةٌ يجب الوفاء بها.
أمانة حفظ السر
أما الأمانة في المعاملة التي تكون بين العبد والناس فتعني: أن تُعامل الناس بمثل ما تُحب أن يُعاملوك به من النُّصح والبيان، وأن تكون حافظًا لحقوقهم المالية وغير المالية من كل ما استُؤْمِنْتَ عليه لفظًا أو عُرْفًا، فتكون الأمانة بين الرجل وصاحبه يُحدثه بحديث سِرٍّ يعلم أنه لا يُحب أن يطلع عليه أحدٌ، فإذا أفشى سِرَّه وحدَّث به الناس فقد خان الأمانة، وقد عَدَّ النبي خيانة الأمانة من علامات المنافقين فقال: آية المنافق ثلاثٌ، وذكر منها: إذا اؤتُمِنَ خان [1]، وقال: أربعٌ مَن كُنَّ فيه كان مُنافقًا خالصًا، ومَن كانت فيه خصلةٌ منهن كانت فيه خصلةٌ من النفاق حتى يدعها، وذكر: إذا اؤتُمِنَ خان [2].
وتكون الأمانة بين الرجل وزوجته، فيجب على كلٍّ منهما أن يحفظ الآخر في ماله وسِرِّه، فلا يُحدث بذلك أحدًا، أخرج مسلمٌ في “صحيحه” عن أبي سعيدٍ : أن النبي قال: إن من أَشَرِّ الناس عند الله منزلةً يوم القيامة: الرجل يُفضي إلى امرأته، وتُفضي إليه، ثم ينشر سِرَّها [3].
الأمانة في المعاملات
وتكون الأمانة في البيع والشراء، والإجارة والاستئجار، فلا يجوز للبائع أن يخون المشتري بنقصٍ في الكيل، أو الوزن، أو زيادة الثمن، أو كتمان العين، أو تدليسٍ في الصفة، ونحو ذلك، ولا يجوز للمشتري أن يخون البائع بنقصٍ في الثمن، أو إنكارٍ، أو مُماطلةٍ مع القدرة على الوفاء.
ولا يجوز للمُؤجر أن يخون المُستأجر بنقص شيءٍ من مواصفات المُستأجَر، ونحو ذلك، ولا يجوز للمُستأجِر أن يخون المُؤجر بنقص الأجرة، أو إنكارها، أو التصرف بما يضرّ المُستأجَر، سواءٌ كان ذلك المُستأجَر دارًا، أم دكانًا، أم آلةً، أم مركوبًا، أم غير ذلك.
وتكون الأمانة في الإدانة والاستدانة، فليس للدائن أن يستغلَّ حاجة أخيه فيزيد عليه في الربح زيادةً فاحشةً، ولا يجوز للمُستدين أو المُستقرض أن يتأخر عن السداد أو الوفاء مع قُدرته على ذلك، فإن ذلك مع كونه خيانةً للأمانة سببٌ لمَحْقِ البركة، أخرج البخاري في “صحيحه” عن أبي هريرة : أن النبي قال: مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومَن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله [4].
فانظر إلى النية، لا تجد إنسانًا يأخذ أموال الناس إما بقرضٍ، أو باستدانةٍ، أو بغير ذلك، وهو حريصٌ على السداد، حريصٌ على الوفاء إلا ويُعينه الله ، ويفتح له أبوابًا من الرزق من حيث لا يحتسب، حتى يُسدد هذا الدَّين في فترةٍ قصيرةٍ.
وأما مَن أخذ أموال الناس بنية المماطلة وعدم الوفاء والتأخير، وكل يومٍ يأتي له بأعذارٍ؛ فإن هذا موعودٌ بأن يُتلفه الله.
وتأمل قول النبي : أتلفه الله، ولم يقل: أتلف الله ماله؛ ليكون الإتلاف عامًّا، قد يكون الإتلاف لماله، وقد يكون الإتلاف لصحته، وقد يكون الإتلاف لمَحْقِ البركة في أولاده، أو في استقراره الأُسري، أو في غير ذلك، جزاءً وفاقًا على إتلافه لأموال الناس.
إن من الناس مَن أصبح ديدنهم المماطلة في أداء الحقوق، فعندما يقترض من أحدٍ قرضًا، أو يستدين دَيْنًا، أو يستأجر دارًا، فإنه يُماطل في أداء الحقوق التي عليه، مع قُدرته على الوفاء!
وصاحب الحق إما أن يترك حقَّه، أو بعض حقِّه له، أو أن يرفع أمره للجهات المُختصة، مع ما يتبع ذلك من عناءٍ ومشقةٍ.
ونقول لهذا الصنف من الناس: اتَّقوا الله تعالى، واعلموا أنكم بذلك إنما تضرون أنفسكم.
المماطلة في أداء الحقوق خيانةٌ للأمانة، ومَحْقٌ للبركة، وقلة توفيقٍ، وتذكروا قول النبي : لتُؤَدُّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى يُقاد للشاة الجَلْحَاء أي: التي لا قرنَ لها من الشاة القَرْناء [5] رواه مسلمٌ، وقول النبي : مَن كانت له مظلمةٌ لأخيه من عِرْضِه أو شيءٍ فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينارٌ ولا درهمٌ، إن كان له عملٌ صالحٌ أُخِذَ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسناتٌ أُخِذَ من سيئات صاحبه فحُمِلَ عليه [6] أخرجه البخاري في “صحيحه”.
إن المماطلة في أداء الحقوق سواءٌ كانت ديونًا، أم قروضًا، أم أُجرة عقارٍ، أم غير ذلك، إنما تنشأ بسبب ضعف الأمانة، وبسبب قِلة الخوف من الله ورِقَّة الديانة، وإلا فمَن عنده خوفٌ من الله سبحانه تجد أنه يُعامل الناس بمثل ما يُحب أن يُعاملوه به، فكما أنه لا يرضى من الآخرين أن يُماطلوه في أداء الحقوق المُستحقة عليهم، فكذلك ينبغي أن يُؤدي الحقوق الواجبة عليه طيبةً بها نفسه، فإن ذلك مع كونه واجبًا شرعيًّا، فإن ذلك من أسباب حلول البركة، ومن أسباب حصول التوفيق.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفروه، وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ.
الأمانة في رعاية الأسرة
عباد الله: لئن كانت الأمانة شاملةً لكل ما استُحفظ عليه العبد من حقوقٍ، سواءٌ كانت حقوقًا لله تعالى، أم لخلقه، فإنها أيضًا شاملةٌ للقيام بالمسؤولية بجميع وجوهها، وفي شتى مجالات الحياة، يقول النبي : كلكم راعٍ، وكلكم مسؤولٌ عن رعيته، … والرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعيةٌ ومسؤولةٌ عن رعيتها [7].
فَرَبُّ الأسرة عليه مسؤوليةٌ عظيمةٌ وأمانةٌ كبيرةٌ تجاه أسرته، عليه أمانةٌ ومسؤوليةٌ في تنشئة أفراد أسرته على الخير والصلاح في أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، فالذي أهمل أسرته يراهم يرتكبون المنكرات، ومع ذلك لا يُنكر عليهم؛ فيكون بهذا قد خان الأمانة، ويرى أولاده على فُرشهم نائمين ولا يأمرهم بالصلاة بحجة أنهم لا يستجيبون! وهذا غير صحيحٍ، ولا يُعفيه من المسؤولية، بل يجب عليه أن يأمرهم بهذه العبادة وبهذا الركن الذي هو عمود دين الإسلام.
والذي يرى أفراد أسرته ينظرون إلى قنواتٍ تَبُثُّ السُّمَّ الزُّعاف! يرى فيها التَّحرش الجنسي! ويرى فيها الرجل يُقبل امرأةً أجنبيةً! ويرى أفراد أسرته ينظرون إلى هذه المنكرات! ومع ذلك لا يُنكر عليهم! ولا يحرص على حذف هذه القنوات ومنعها من بيته؛ يكون بهذا قد خان الأمانة، خان أمانة الله في أفراد أسرته.
إن أفراد الأسرة من بنين وبناتٍ وزوجةٍ أمانةٌ في عنق والدهم، وسيُسأل يوم القيامة أمام ربِّ العالمين عن هذه الأمانة في: يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَإِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].
ليستحضر ربُّ الأسرة قول النبي : الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته، فليستحضر عظيم هذه الأمانة، وهذه المسؤولية.
إن من الناس مَن لا يُقيم لهذه المعاني وزنًا، وتجد أن همَّه الأكبر تحصيل الأموال، والاشتغال بالمصالح الدنيوية، وربما تحصيل المصالح المادية البحتة لأفراد أسرته، ولكن أمور استقامتهم على طاعة الله لا يهتم بها، ولا يُلقي لها بالًا، والله يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ [التحريم:6]، لم يقل: قوا أنفسكم نارًا فقط، وإنما عطف: وَأَهْلِيكُمْ، قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ، ووقاية الأهل من النار إنما تكون بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبإرشادهم وتوجيههم.
وإن من الناس مَن لا يفعل ذلك، ولا يقوم بواجب المسؤولية: إما أنه غير مُهتمٍّ، أو أنه أُصيب بإحباطٍ، ويقول: إنهم لا يستجيبون! وهذا لا يُعفيه من المسؤولية.
يجب على الأب أن يأمر أولاده بأداء الصلاة مع الجماعة في المسجد؛ حتى يقوم بهذه المسؤولية وهذه الأمانة، سواءٌ استجابوا أم لم يستجيبوا، فإنه إذا فعل ذلك فقد أبرأ ذمَّته أمام الله .
أما أنه يذهب للمسجد ويترك أولاده نائمين في فرشهم، وهو يراهم لا يصلون! ولا يُؤدون الصلاة مع الجماعة في المسجد! فإن ذمَّته لا تبرأ أمام الله ، حتى وإن كان عاجزًا عنهم يجب عليه أن يُوقظهم، وأن يأمرهم بأداء الصلاة؛ حتى يُبرئ ذمَّته أمام الله ، ويكون قد اتَّقى الله في أداء هذه الأمانة.
وقد أثنى الله تعالى على نبيه إسماعيل عليه الصلاة والسلام فقال: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا [مريم:55]، وقال عن لقمان: يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ [لقمان:17]، ودعا إبراهيم عليه الصلاة والسلام: رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي [إبراهيم:40].
فالمطلوب من المسلم أن يحرص على أن يُقيم أهلُ بيته الصلاةَ، فإنهم إذا أقاموا الصلاة صَلَحَتْ بقية أمور دينهم؛ لأن الصلاة هي الميزان، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ دين الإنسان، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ دينه.
الصلاة هي عمود دين الإسلام، والصِّلة بين العبد وربه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132].
عباد الله: قد أخبر النبي بأن الأمانة تُرفع في آخر الزمان، كما جاء ذلك في الصحيحين من حديث حذيفة : فيُصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدٌ يُؤدي الأمانة، حتى يُقال: إن في بني فلانٍ رجلًا أمينًا، ويُقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة خردلٍ من إيمانٍ [8]، أي: إن الأمين في آخر الزمان يكون غريبًا في الناس، حتى يُمدح مَن لا خيرَ فيه ولا إيمان! وهذا إنما يكون من أشراط الساعة التي أخبر النبي بأنها تقع بين يدي الساعة.
فمن أشراط الساعة إذن: رفع الأمانة من الناس، حتى يبقى الناس لا أمينَ فيهم.
ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].
اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وارضَ اللهم عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا ربَّ العالمين.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذلَّ الكفر والكافرين، اللهم أذلَّ النفاق والمنافقين.
اللهم مَن أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ اللهم فأشغله في نفسه، اللهم اجعل كيده في نحره، اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي، يا عزيز.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ.
اللهم أَبْرِمْ لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم وَفِّق ولاة أمور المسلمين لتحكيم شرعك، والعمل بكتابك وسنة نبيك محمدٍ ، واجعلهم رحمةً لرعاياهم، وَوَلِّ على المسلمين خيارهم.
اللهم وَفِّق إمامنا وولي أمرنا ونائبيه وإخوانهم وأعوانهم، وَفِّقهم لما فيه الخير وصلاح الإسلام والمسلمين، اللهم وَفِّقهم لما تُحب وترضى، وخُذْ بنواصيهم للبرِّ والتقوى، وارزقهم البطانة الصالحة الناصحة التي تدلهم على الحق، وتُعينهم عليه، يا حيُّ، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أَدِمْ علينا نعمة الأمن، والاستقرار، والرخاء، ورغد العيش، والوحدة، واجتماع الكلمة، واجعلها عونًا لنا على طاعتك ومرضاتك.
اللهم اجعلنا لنعمك وآلائك شاكرين.
اللهم أَعِنَّا على شكرك، وعلى ذكرك، وعلى حُسن عبادتك.
اللهم آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10].
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180-182].