عناصر المادة
الحمد لله الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2]، والحمد لله مالك المُلك، يُؤتي المُلك مَن يشاء، وينزع المُلك ممن يشاء، ويُعِزُّ مَن يشاء، ويُذِلُّ مَن يشاء، بيده الخير، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، والحمد لله ذي العزة والجبروت، يُحيي ويُميت، وهو حيٌّ لا يموت، وإليه تصير الأمور.
أحمده تعالى وأشكره، أحمده وأشكره حمدًا وشكرًا كما ينبغي لجلال وجهه، وعظيم سلطانه.
أحمده وأشكره عدد خلقه، وزِنة عرشه، ورضا نفسه، ومداد كلماته.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا مُنيرًا، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه، واتَّبع سُنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتَّقوا الله أيها المسلمون، اتَّقوا الله حقَّ التقوى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًايُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
الموت هو المصير المحتوم
عباد الله: فقدتْ هذه البلاد إمام المسلمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون، ولله تعالى الأمر من قبل ومن بعد، وكل نفسٍ ذائقة الموت: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، كل نفسٍ: الغني والفقير، والصغير والكبير، والملك والمملوك، والشريف والوضيع، والذكر والأنثى، كل نفسٍ لا بد أن تتجرع من كأس الموت: يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ [الانشقاق:6].
نعم يكدح الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ويتقلب فيها ما بين مسراتٍ وأحزانٍ، وكل يومٍ يمضي يقطع به مرحلةً من العمر حتى يحين موعد اللقاء لربه: إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا، ولكن لا بد في النهاية من لقاء الله تعالى: فَمُلَاقِيهِ.
إن الموت مصيرنا جميعًا، فلن يخلد أحدٌ في هذه الدنيا ولن يعمر: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34].
نعم إن الموت هو مصيرنا جميعًا، ولكن منا المُتقدم، ومنا المُتأخر.
أَجِلْ بخاطرك وتخيل حال الدنيا بعد مئة عامٍ من الآن، ما حالها؟ وهل بقي على ظهرها أحدٌ ممن يعيش عليها الآن؟
تذكر الموت والاستعداد له
إن تذكر الموت خير واعظٍ للإنسان.
نعم يا عباد الله، إن الإنسان إذا تذكر الموت، وأنه مصيره يومًا من الأيام، وأنه لا يدري، فقد يكون هذا المصير قريبًا؛ إن هذا ليكشف للإنسان حقيقة هذه الدنيا الفانية، وأنها لا تستحق من الإنسان كل هذا العناء، وكل هذا الشقاء، وكل هذا التَّعب، وكل هذا النَّصب، وكل هذا الكدح في تحصيلها، وكما يقول بعض السلف: “فضح الموتُ الدنيا فلم يترك لذي لُبٍّ بها فرحًا”.
وما ألزم عبدٌ نفسه ذكر الموت إلا صغرت الدنيا في عينيه.
نعم ما ألزم عبدٌ نفسه ذكر الموت إلا زهد في الدنيا، ورآها على حقيقتها.
كان ابن عمر رضي الله عنهما يقول: “إذا أمسيتَ فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحتَ فلا تنتظر المساء، وخُذْ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك”.
عباد الله: إن السعيد مَن وُعِظَ بغيره، إن الإنسان ليرى الموت يتخطف الناس من حوله من غير أن يُفرق بين صحيحٍ ومريضٍ، ولا بين صغيرٍ وكبيرٍ، يتخطف الناس فجأةً، ومَن مات فقد قامت قيامته، وانتقل من عالم الدنيا إلى عالم الآخرة: حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِلَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ [المؤمنون:99-100]، وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَوَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [المنافقون:10-11].
الدعاء لخادم الحرمين الملك عبدالله رحمه الله
عباد الله: إن من حقِّ إمام المسلمين علينا -الملك عبدالله رحمه الله- بعد وفاته أن ندعو له بالمغفرة والرحمة، وأن يجزيه الله خير الجزاء على ما قدم من خدمةٍ للإسلام والمسلمين، ولو لم يكن من مآثره إلا العناية العظيمة بالحرمين الشريفين، وقد شهدا في عهده أكبر توسعةٍ في التاريخ، وقد تشرف بأن يُلقب نفسه بخادم الحرمين الشريفين، ومُنجزاته ومآثره الأخرى تتحدث عن نفسها.
اللهم اجْزِهِ عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك، اللهم فاغفر له، اللهم اغفر له، اللهم اغفر له، اللهم تغمده بواسع رحمتك، اللهم أفسح له في قبره، اللهم نوِّر له فيه، اللهم اغفر لجميع موتى المسلمين، اللهم ارحمهم، اللهم اعفُ عنهم، اللهم أكرم نُزلهم، ووسع مُدخلهم، ونَقِّهم من الذنوب والخطايا كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنس، إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومَن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمدٍ ، وشرَّ الأمور مُحدثاتها، وكل مُحدثةٍ بدعةٌ، وكل بدعةٍ ضلالةٌ.
بيعة الملك سلمان إمامًا لبلاد الحرمين
عباد الله: قد بُويع الملك سلمان إمامًا جديدًا لهذه البلاد، وبمُبايعته تنعقد البيعة لجميع أهل هذه البلاد، إذ ليس من شرط انعقاد البيعة أن يُبايع جميع الناس، بل تكفي مُبايعة أهل الحلِّ والعقد.
قال الشوكاني رحمه الله: “ليس من شرط ثبوت الإمامة: أن يُبايعه كل مَن يصلح للمُبايعة، ولا من شرط الطاعة على الرجل: أن يكون من جملة المُبايعين، فإن هذا الاشتراط في الأمرين مردودٌ بإجماع المسلمين”.
وجوب السمع والطاعة لولي الأمر
عباد الله: إنه بانعقاد البيعة يلزم السمع والطاعة جميع الرعية، فليس لأحدٍ أن يقول: لم أُبايع، فلا يلزمني السمع والطاعة.
فإن هذا من خِصال الجاهلية، ومن أفعال الجاهلية، ومَن مات على ذلك مات ميتة الجاهلية؛ أخرج مسلمٌ في “صحيحه” عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعتُ رسول الله يقول: مَن خلع يدًا من طاعةٍ لقي الله يوم القيامة لا حُجَّة له، ومَن مات وليس في عنقه بيعةٌ مات ميتةً جاهليةً [1].
وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال: “بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في مَنْشَطِنا ومَكْرَهِنا، وعُسْرنا ويُسْرنا، وأثرةٍ علينا، وألا نُنازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بَواحًا عندكم من الله فيه برهانٌ” [2]، أي: أن المُبايعة على السمع والطاعة في جميع الأحوال: في العُسْر واليُسْر، وفي المَنْشَط والمَكْرَه، وحتى في حال الاستئثار بالأموال وحظوظ الدنيا، “إلا أن تروا كفرًا بَواحًا” أي: صريحًا لا يقبل التأويل، وعندكم من الله تعالى فيه برهانٌ.
وأخرج البخاري ومسلمٌ في صحيحيهما عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما: أن رسول الله قال: مَن كره من أميره شيئًا فليصبر عليه، فإنه ليس أحدٌ من الناس خرج من السلطان شبرًا فمات عليه إلا مات ميتةً جاهليةً [3].
الدعاء لولي الأمر بالتوفيق والسداد
عباد الله: إن من حق الإمام الملك سلمان أن ندعو له بالتوفيق، وأن ندعو له بالتَّسديد، وأن ندعو له بالصلاح، وأن ندعو له بأن يرزقه الله تعالى البطانة الصالحة الناصحة؛ ففي “صحيح البخاري” عن أبي سعيدٍ : أن رسول الله قال: ما بعث الله من نبيٍّ، ولا استخلف من خليفةٍ إلا كانت له بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف وتَحُضُّه عليه، وبطانةٌ تأمره بالشرِّ وتَحُضُّه عليه، فالمعصوم مَن عصم الله تعالى [4]، وفي روايةٍ للنسائي: ما من والٍ إلا وله بطانتان: بطانةٌ تأمره بالمعروف، وتنهاه عن المنكر، وبطانةٌ لا تألوه خَبَالًا، فمَن وُقِيَ شرَّها فقد وُقِيَ، وهو من التي تغلب عليه منهما [5].
وفي “سنن أبي داود” بسندٍ حسنٍ عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله : إذا أراد الله بالأمير خيرًا جعل له وزير صدقٍ: إن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوءٍ: إن نسي لم يُذكره، وإن ذكر لم يُعِنْه [6].
نعمة اجتماع الأمة على إمامٍ واحدٍ
عباد الله: إن اجتماع الأمة على إمامٍ واحدٍ لهي من أعظم النِّعَم على البلاد والعباد؛ إذ به يُحفظ الأمن، وتُحقن الدماء، وتُحفظ الأعراض، ومصالح هذا عظيمةٌ جدًّا؛ ولهذا أمر النبي بقتل مَن أراد أن يُفرق أمر الأمة المُجتمعة على رجلٍ واحدٍ؛ ففي الصحيحين عن عرفجة قال: سمعتُ رسول الله يقول: مَن أتاكم وأمركم جميعٌ على رجلٍ واحدٍ يريد أن يشقَّ عصاكم، أو يُفرق جماعتكم؛ فاقتلوه [7]، وفي روايةٍ لمسلمٍ: فاضربوه بالسيف كائنًا مَن كان [8].
اللهم إنَّا نسألك بمنك وفضلك وكرمك، يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام أن تُوفق ولي أمرنا الملك سلمان لما تُحب وترضى، اللهم وفقه لما تُحب وترضى، اللهم وفقه لما تُحب وترضى، اللهم ارزقه السداد في القول والعمل، اللهم اجعله هاديًا مهديًّا، اللهم ارزقه البطانة الصالحة الناصحة، اللهم قِهِ شرَّ بطانة السوء، اللهم اجعل له وزير صدقٍ: إن نسي ذكَّره، وإن ذكر أعانه.
اللهم احفظ لهذه البلاد أمنها واستقرارها، اللهم أدم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء ورغد العيش، واجعلها عونًا لنا على طاعتك ومرضاتك، يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموت راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم إنَّا نعوذ بك من مُضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم إنَّا نعوذ بك من مُضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم إنَّا نعوذ بك من مُضلات الفتن، ما ظهر منها وما بطن.
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أذلَّ الكفر والكافرين، اللهم أذلَّ النفاق والمنافقين.
اللهم مَن أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوءٍ اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه، يا قوي، يا عزيز.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكانٍ.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في جميع البلدان، يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، وأبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا يُعَزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهْدَى أهل معصيتك، ويُؤْمَر فيه بالمعروف، ويُنْهَى فيه عن المنكر، يا حي، يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرة حسنةً، وقِنا عذاب النار.
اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوفٌ رحيمٌ.
اللهم صلِّ على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله وصحبه وسلم.