logo
الرئيسية/خطب/نعمة العافية والصحة

نعمة العافية والصحة

مشاهدة من الموقع

الحمد لله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وله الحمد في الآخرة وهو الحكيم الخبير، أحمده تعالى وأشكره حمدًا وشكرًا كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، أحمده وأشكره حمد الشاكرين الذاكرين، أحمده وأشكره ولا أحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، وفوق ما يُثني عليه عباده.

وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله تعالى بالحق بشيرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ما من خير إلا دل أمته عليه، وما من شر إلا حذرها منه. فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فاتقوا الله أيها المسلمون، اتقوا الله حق التقوى، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ۝يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

نعمة الصحة والعافية

عباد الله: إن نعم الله تعالى على عباده كثيرة جدًّا، بل إنها من كثرتها لا يمكن أن تعد وتحصى، كما قال ربنا : وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا [النحل:18]. نِعَم عظيمة، وآلاء جسيمة، وإن من أعظم هذه النعم بعد نعمة الهداية والإيمان نعمة لا تقدر بثمن، نعمة هي أعظم من نعمة المال مهما بلغ، إنها نعمة الصحة والعافية؛ التي هي من أعظم ما يُنعم الله تعالى به على الإنسان، وهي أعظم من نعمة المال مهما بلغ المال؛ ويدل لذلك أن الإنسان إذا أصابه مرض فإنه ينفق ويبذل من ماله الكثير طلبًا للصحة والعافية، ولا يسأل مهما بلغت النفقة، يقول النبي : نعمتان مغبونٌ فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ[1].

ومعنى مغبون فيهما أي: أنه يصاب بالغبن فيهما؛ لعدم استغلالهما، وعدم الانتفاع بهما، وعدم اغتنامهما، يُغبَن فيهما كثيرٌ من الناس؛ أي: أنهم لا يُوفَّقون لاستغلال هاتين النعمتين واغتنامهما فيما ينفعهم في الدار الآخرة، فمن كان صحيح البدن وكان فارغًا من الأشغال فإنه المغبوط، فإن هو اغتنم هاتين النعمتين وإلا فهو مغبون.

عباد الله:

الصحة -كما يقال- تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرف قدرها إلا المرضى، عندما تدخل مستشفى من المستشفيات وترى هؤلاء المرضى على الأسرة طريحي الفراش، ترى هذا مصابًا بإصابة في بطنه، وذاك مصاب بإصابة في عضو آخر من أعضائه، وهؤلاء المرضى قد أطرحتهم تلك الأمراض فأصبحوا على الأَسِرَّة لا يستطيعون تركها، ويعانون من ذلك معاناة نفسية وعضوية بسبب تلك الأمراض.

يعرف قدر هذه النعمة -نعمة الصحة- من رأى أولئك المرضى الذين قد ابتُلوا بتلك الأمراض.

دعاء النبي  بالعافية والسلامة من الأمراض

عباد الله:

ولعظيم نعمة الصحة والعافية والسلامة من الأمراض، كان النبي يسأل الله العافية، ويستعيذ بالله من سيئ الأسقام، ففي "سنن أبي داود" بسند صحيح عن أنس : أن النبي كان يدعو ويقول: اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، وسيئ الأسقام[2].

فكان -عليه الصلاة والسلام- يستعيذ بالله تعالى من هذه الأمراض، ثم يختم هذا الدعاء بالاستعاذة بالله تعالى من سيئ الأسقام.

وكان -عليه الصلاة والسلام- يسأل الله تعالى العافية، ويُكثر من هذا الدعاء، ويجعله مع أذكار الصباح والمساء، فقد كان -عليه الصلاة والسلام- إذا أصبح وأمسى سأل الله العافية.

قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: لم يكن رسول الله يَدَع هؤلاء الدعوات حين يُمسي وحين يصبح: اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي، ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي[3] 

وفي "صحيح مسلم" عن أنس : أن النبي عاد رجلًا من المسلمين قد خَفَت فصار مثل الفَرْخ؛ أي: من شدة المرض، فقال له النبي : هل كنت تدعو بشيء، أو تسأل الله شيئًا؟ قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت مُعاقِبِي به في الآخرة، فعَجِّله في الدنيا. فقال النبي : سبحان الله!  لا تُطيقه، أفلا قلتَ: اللهم آتني في الدنيا حسنة، وفي الآخرة، وقني عذاب النار؟. قال: فدعا الله تعالى فشفاه[4].

قال أهل العلم: وفي هذا الحديث النهي عن تعجيل العقوبة؛ وبذلك يُعلم خطأ بعض الناس عندما يقول: يا ألله، عذاب الدنيا ولا عذاب الآخرة؛ فإن هذا خطأ؛ لأن الإنسان قد لا يحتمل عذاب الدنيا قبل عذاب الآخرة، والذي ينبغي تجنُّبُ هذه الألفاظ، وأن يقول المسلم ما أرشد إليه النبي : اللهم آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

وفي هذه القصة فوائد، منها: كراهة تمني البلاء؛ فإن الإنسان ما دام في العافية فهو في سلامة، فلا يتمنى البلاء ولا يتعرض له، ولا يتشوَّف له، يقول النبي : لا تتمنوا لقاء العدو، وسلوا الله العافية، فإذا لَقِيتُمُوه فاصبروا[5].

وفيه أن البلاء مُوكَّل بالمنطق، فقد يُبتلى الإنسان بمرض أو بغيره بسبب كلمةٍ تكلَّم بها، أو بسبب دعوة دعا بها؛ كما حصل لهذا الرجل.

واجبُ المُسلِم عند وقوع البلاء

عباد الله:

المطلوب من المسلم عندما يصاب بمرض أو بغيره من مصائب الدنيا الصبر والاحتساب، وأن يبتعد عن التسخُّط والتشكي والجزع؛ فإن الابتلاء بالمصائب لا بد منه، ولا يمكن أن تصفو هذه الحياة لأحد؛ لأن هذا ينافي طبيعة هذه الحياة، والله تعالى يقول: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ [البلد:4]؛ أي: في مكابدة لمصاعب ومشاق الحياة.

وقد أخبر النبي بأن المؤمن كثير الآلام؛ في بدنه، وفي أهله، وفي ماله؛ وذلك ليُكفِّر الله تعالى بها من سيئاته، ويرفع بها من درجاته؛ ففي الصحيحين: أن النبي قال: مَثَلُ المؤمن كمَثَل الخامة من الزرع؛ تُفَيِّئُها الريح مرة وتَعْدِلها مرة، ومَثَلُ المنافق كالأَرْزة؛ لا تَزَال حتى يكون انجعافها مرةً واحدة[6].

فضرب النبي في هذا الحديث مَثَلَ المؤمن بخامة الزرع، وهي الطاقة الطَّرِيَّة اللينة من الزرع أولَ ما يَنبُت، تميل بها الريح يمينًا وشمالًا. وأما المنافق والفاجر فشبهه بشجرة الأرزة، وهي الشجرة العظيمة التي لا تحركها ولا تزعزعها الريح.

قال الخطابي: الأرزة هو شجر الصنوبر.

قال النووي -رحمه الله-: ومعنى الحديث: أن المؤمن كثير الآلام في بدنه أو أهله أو ماله؛ وذلك مُكفِّرٌ لسيئاته رافع لدرجاته. وأما الكافر والمنافق فقليل الآلام والمصائب، حتى يأتي بسيئاته كاملة يوم القيامة.

أجر المسلم على ما يصيبه إن صبر واحتسب

عباد الله:

إن من رحمة الله تعالى بعباده المؤمنين أن جعل جميع ما يصيبهم من المصائب في الدنيا على اختلاف أنواعها مكفرة لذنوبهم وخطاياهم، حتى الشوكة يُشَاكُها المؤمن يُكفِّر الله تعالى عنه بها من سيئاته.

أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي هريرة وأبي سعيد -رضي الله عنهما- أن رسول الله قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا همٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كَفَّر الله بها من خطاياه[7]، وفي لفظ لمسلم: ما يُصيب المؤمن من وَصَب ولا سقم ولا حزن، حتى الهم يهمه، إلا كفر الله تعالى بها من سيئاته[8].

وفي هذا الحديث العظيم: بشارة للمسلم، فإذا كان مجرد الشوكة يشاكها -بل حتى الهم يهم المسلم- يكفر الله تعالى عنه به من خطاياه، فكيف بما هو أعظم من ذلك؟!

وفي صحيح البخاري ومسلم عن ابن مسعود أن النبي قال: ما من مسلم يصيبه أذَى شوكةٍ فما فوقها إلا كفر الله تعالى بها من سيئاته كما تَحُط الشجرة ورقها[9].

فهذا من حكمة ابتلاء الله للمؤمن أن ذلك يكون مكفرًا لسيئاته ولخطاياه.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، وتوبوا إليه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولي الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة.

من حِكَم البلاء

عباد الله:

إن الابتلاء للمؤمن لا بد منه؛ لتمحيص المؤمنين الصادقين من غير الصادقين، كما قال ربنا : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ۝الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ۝أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ [البقرة:155-157]، ويقول ربنا : أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ۝وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ [العنكبوت:2-3].

أيوب عليه السلام مثال للصبر والابتلاء

ومن أنواع الابتلاء الذي يَبتلي الله به عباده: الابتلاء بالأمراض والأسقام.

وقد ذكر الله تعالى عن أحد أنبيائه -عليهم الصلاة والسلام- أنه ابتُلي بمرض عظيمٍ استمر معه مدة طويلة، وهو نبي الله أيوب -عليه الصلاة والسلام-، والذي يُضرَب به المثل في الصبر؛ فقد ابتُلي بمرض عظيم أطرحه الفراش، وأصبح لا يتحرك منه إلا لسانه. وابتُلي مع المرض بالفقر، فأصبح طريح الفراش، مريضًا فقيرًا.

فتركه الناس القريب والبعيد، ولم يبقَ معه سوى زوجته البارة الصالحة التي من لطف الله أن هيأها لكي تقوم عليه، ومن عظيم البلاء أنه كان قبل ذلك في مالٍ كثير وأولاد وسَعَة من الدنيا، ثم فجأة سُلب منه جميع ذلك، وابتُلي بالمرض، فبقي طريح الفراش مريضًا وحيدًا لم يبق له أحدٌ سوى هذه المرأة الصالحة التي تقوم عليه بالخدمة، وتأتي له بالطعام والشراب مع شدة الفقر.

وذات يوم لم تجد ما تُطعمه إياه، فباعت شيئًا من ضفيرتها بخُبزٍ لتُطعِمَه به، فلما علم بذلك غضب وحلف إن شفاه الله ليضربنها مائة جلدة، واشتد به البلاء اشتدادًا عظيمًا، وبقي ثماني عشرة سنة على ذلك البلاء العظيم، حتى مرَّ به اثنان كانا من أخص أصحابه، فقال أحدهما للآخر: لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحدٌ من العالمين، منذ ثماني عشرة سنة وهو على هذا البلاء، ولم يرحمه الله!

فلما اشتدت به الحال والبلاء تضرع إلى أرحم الراحمين، تضرع إلى رب العالمين: أنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ [الأنبياء:83]، فشفاه الله : وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [ص:43]، وأفتاه الله تعالى بشأن حَلِفه على ضرب امرأته البارة الصالحة التي وقفت معه حين تركه الناس، أفتاه الله تعالى بأن يأخذ ضِغثًا وهو الشِّمْراخ من النخل فيه مائةُ قضيبٍ فيضربها به ضربةً واحدة، فيكون بهذا قد بر بيمينه وخرج من حنثه: وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ [ص:44]، ولم تكن كفارة اليمين مشروعة في وقته، وإلا كان قد أمره الله تعالى بها.

فانظروا -يا عباد الله- كيف أن الله تعالى قد جعل هذا النبي مثالًا للصابرين، ابتُلي بهذا البلاء العظيم ومع ذلك صبر ولم يجزع، وكان يذكر الله تعالى بهذا اللسان الذي لا يتحرك شيء من أعضائه إلا لسانه، وكان طيلة وقته ذاكرًا شاكرًا صابرًا، حتى شفاه الله تعالى وعافاه، فكان مثالًا للصابرين إلى قيام الساعة.

صور من صبر السلف واحتسابهم

والقصص في هذا كثيرة ومشهورة، ومن ذلك فيما يتعلق بصحابة النبي : عمران بن حصين ؛ ابتُلي بمرضٍ استمر معه ثلاثين سنة، فصبر ولم يجزع ولم يتشكَّ ولم يتسخط. جاء في "صحيح مسلم": أن الملائكة كانت تسلم عليه عند السحر كل ليلة، كل ليلة تسلم عليه الملائكة عند السحر، حتى اكتوى، أتى من أشار عليه بأن يكتوي، فلما اكتوى لم تعد الملائكة تسلم عليه، فترك الكي، فعادت الملائكة تسلم عليه[10].

وهذا عروة بن الزبير من التابعين، ذهب إلى الخليفة الوليد بن عبد الملك لزيارة له، وصحب معه أكبر أبنائه، ثم إن ابنه دخل إصطبل الخيل، فركضت ابنه فمات، وبعد ذلك أصيبت إحدى قدميه فقرر الأطباء بترها فبتروها، وقد أصيب بفقد الولد، وأصيب بفقد إحدى رجليه، ومع ذلك لم يفزع، فصبر وحمد الله، وقال: اللهم إنك قد وهبتني أربعة من البنين، أخذت منهم واحدًا وأبقيت ثلاثة، اللهم لك الحمد ولك الشكر، وأعطيتني أربعة أطراف، أخذت واحدًا وأبقيت ثلاثة، اللهم فلك الحمد ولك الشكر.

انظر إلى الصبر، وانظر إلى الشكر، وانظر إلى التفاؤل، وانظر إلى النظرة الإيجابية: كيف أنَّ مَن ابتُلي ببلاءٍ ينظر إلى النعم الأخرى التي أنعم الله تعالى بها عليه.

ولذلك؛ فإن الحالة النفسية للمريض مهمة جدًّا؛ فينبغي أن يسعى المريض إلى رفع معنوياته، وأن يكون متفائلًا حَسَنَ الظن بالله ، وأن ينظر إلى النعم الأخرى التي أنعم الله تعالى بها عليه، وأن ينظر إلى من هو أشد منه مرضًا وابتلاء؛ ولهذا يقول النبي : انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم[11]؛ أي: أجدر ألا تحتقروا نعمة الله عليكم.

وبكل حال؛ فإن نعمة الصحة والعافية نعمة عظيمة، فينبغي أن نشكر الله تعالى وأن نحمد الله تعالى عليها، وأن نستعيذ بالله من سيئ الأسقام، ولكن إذا ابتُلي الإنسان بمرض أو غيره فعليه الصبر والاحتساب، وأن يستحضر أن هذا المرض يُكفِّر الله تعالى به عنه من خطاياه ومن سيئاته، فيصبر، ويحمد الله تعالى ويشكره، ويُحسن الظن بالله ، ويستحضر أن هذه الدنيا لا تصفو لأحد، وأن الإنسان خُلق فيها في كَبَدٍ؛ يكابد مصاعبها ومتاعبها ومشاقها، وأن النعيم الصافي من النكد ومن المتاعب والمصاعب إنما هو نعيم الجنة، وأما الدنيا فليس فيها نعيم كامل.

ألا وأكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير، والسراج المنير، فقد أمركم الله بذلك، فقال سبحانه: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56].

اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، اللهم ارضَ عن صحابة نبيك أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك يا رب العالمين.

اللهم انصر الإسلام والمسلمين، اللهم أذِلَّ الكفر والكافرين، اللهم أذل النفاق والمنافقين، اللهم مَن أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء اللهم اجعل تدبيره تدميرًا عليه، واشغله في نفسه، يا قوي يا عزيز، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم انصر من نصر دين الإسلام في كل مكان، اللهم اخذل من خذل دين الإسلام في كل مكان.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم عليك باليهود وأعوانهم، اللهم عليك بالحوثيين وأعوانهم، اللهم شتت شملهم، اللهم سلط عليهم جندًا من جندك، اللهم ائتهم من حيث لم يحتسبوا، يا قوي يا عزيز.

اللهم انصر إخواننا المسلمين المجاهدين المرابطين الذين يجاهدون في سبيلك، اللهم قَوِّ عزائمهم، اللهم وحِّد صفوفهم، اللهم سدد رميهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم وفق ولاة أمور المسلمين لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا ونائبيه وإخوانه وأعوانه، اللهم وفقهم لما تحب وترضى. اللهم أَعِنْهم وسدِّدهم وأرهم الحق حقًّا وارزقهم اتباعه، وأرهم الباطل باطلًا وارزقهم اجتنابه. اللهم ألِّف بين قلب الراعي والرعية، اللهم ألف بين الراعي والرعية، واجمع كلمتهم على البر والتقوى، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أَدِم علينا نعمة الأمن والاستقرار والرخاء، ورغد العيش والوحدة، واجعلها عونًا لنا على طاعتك ومرضاتك، اللهم اجعلها عونًا لنا على طاعتك ومرضاتك، واجعلنا لنعمك وآلائك شاكرين، اللهم أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك.

اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار. اللهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.

^1 أخرجه البخاري: 6412.
^2 أخرجه أحمد 13004، وأبو داود: 1554.
^3 أخرجه أحمد: 4785، وأبو داود: 5074، والنسائي: 5529.
^4 أخرجه مسلم: 2688.
^5 أخرجه البخاري: 2966، ومسلم: 1742.
^6 أخرجه البخاري: 5643، ومسلم: 2810.
^7 أخرجه البخاري 5641، ومسلم: 2573.
^8 أخرجه مسلم: 2573.
^9 أخرجه البخاري: 5648، ومسلم: 2571.
^10 أخرجه مسلم: 1226.
^11 أخرجه مسلم: 2963.
مواد ذات صلة
  • خطبة عيد الفطر 1443 هـ

    الحمد لله معيد الجمع والأعياد، رافع السبع الشداد عالية بغير عماد، وماد الأرض ومرسيها بالأطواد، جامع الناس ليوم لا ريب...

  • أحكام الزكاة وفضائل الصدقة

    الحمد لله الذي وعد المنفقين أجرًا عظيمًا وخلفًا، وتوعد الممسكين لأموالهم عما أوجب عليهم عطبًا وتلفًا، أحمده تعالى وأشكره، وأشهد...

zh